أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهَا مَعَ ذَلِكَ الْعَيْبِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا مَانِعٌ مَعَ الْأَخْذِ كَمَا كَانَ فِيمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ بَيَّنَ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ خَاطَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْمَقْطُوعَ) أَوْ صَبَغَهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ اتِّفَاقِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَعِنْدَهُ السَّوَادُ نُقْصَانٌ (أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ) وَبِالْجُمْلَةِ خَلَطَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ (فَظَهَرَ عَيْبُهُ) الْقَدِيمُ (لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْبَائِعُ (وَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَقُولُ الْبَائِعُ أَنَا آخُذُهُ مَعِيبًا لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ وَهُوَ الْخَيْطُ وَالصَّبْغُ وَالسَّمْنُ،.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّهُ وَالْبَائِعَ يَقْبَلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا (كَمَا لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمِخْيَطَ وَنَحْوَهُ (بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ (مَجَّانًا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَامْتِنَاعَ الرَّدِّ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلْمَوْتِ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ أَيْ إتْمَامٌ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ كَالْمُسْتَبْقِي لِمِلْكِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ ثَبَتَ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهَى مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَالْإِعْتَاقُ لَا يَكُونُ كَالْقَتْلِ بَلْ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُمَا لَا يُزِيلَانِ الْمِلْكَ وَلَكِنَّ الْمَحَلَّ بِهِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَ أَوْ قَتَلَ أَوْ أَكَلَ كُلَّ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ لَمْ يَرْجِعْ) أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَلِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قَالُوا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مُحْتَمَلٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ، فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ وَمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا كَانَ مُمْسِكًا لِلْمَبِيعِ مَعْنًى وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لَا بِفِعْلٍ مِنْهُ بِأَنْ هَلَكَ أَوْ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ مِنْهُ يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ إمْسَاكِهِ، ثُمَّ الْقَتْلُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ إذْ لَوْ بَاشَرَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هُنَا بِمِلْكِهِ فِيهِ فَيُجْعَلُ سُقُوطُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا) أَيْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمَبِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَى الْمُشْتَرِي بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : هَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَوْ بَاعَهُ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ مُتَّصِلَةً بِهِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءٍ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَصِيرُ بِالْبَيْعِ بَعْدَهَا حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ فَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَرْشِ وَالْعَقْرِ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْنَ رَدِّهِمَا جَمِيعًا وَالرِّضَا بِهِمَا بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْكَسْبِ فَهِيَ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسْلَمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسْلِيمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَدَمِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute