للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ وَوَاضِعًا مِلْكَ نَفْسِهِ فِيهَا (بِخِلَافِ كَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى مَثَلًا حِنْطَةً مُعَيَّنَةً فَأَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِغَيْبَتِهِ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْحِنْطَةَ بِالشِّرَاءِ فَأَمْرُهُ مُصَادِفٌ مِلْكَهُ. (كَيْلُ الْعَيْنِ ثُمَّ كَيْلُ الدَّيْنِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَعَكْسُهُ لَا) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَدَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ ظَرْفًا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ الْكُرَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَالْكُرَّ الْمُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ، فَإِنْ بَدَأَ بِكَيْلِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَى فِي الظَّرْفِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَلِلدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا.

(أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ) أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ بَقِيَ) أَيْ التَّقَايُلُ (أَوْ مَاتَتْ فَتَقَايَلَا صَحَّ) أَيْ التَّقَايُلُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قِيمَتُهَا) يَوْمَ قَبْضِهِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَوْتِ بَعْدَ التَّقَايُلِ وَقَبْلَهُ، يَعْنِي إذَا اشْتَرَى كُرًّا بِعَقْدِ السَّلَمِ وَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ أَمَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا عَقْدَ السَّلَمِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَقِيَ التَّقَايُلُ وَلَوْ مَاتَتْ وَتَقَايَلَا صَحَّ التَّقَايُلُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَصِحَّةُ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمَبِيعِ لَا الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ حَالَ الْإِقَالَةِ مِنْ الْبَقَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَالصِّحَّةِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ رَدُّهَا، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا (كَذَا الْمُقَايَضَةُ) وَهِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (فِي وَجْهَيْهِ) يَعْنِي تَبْقَى الْإِقَالَةُ وَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعِيَّةُ وَفِي الْهَالِكِ الثَّمَنِيَّةُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِعَدَمِ مَحِلِّهَا.

(الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَ عَاقِدُ السَّلَمِ فِي شَرْطِ الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِمَا أَمَّا الرَّدَاءَةُ فَبِأَنْ يَقُولُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْنَا الرَّدِيءَ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا لِيَكُونَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ زَائِدٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ السَّلَمِ شَرْطَ الرَّدَاءَةِ وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ عِنْدَهُ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا الْأَجَلُ فَأَيُّهُمَا ادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ لَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا (الِاسْتِصْنَاعُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعٍ كَالْخِفَافِ اصْنَعْ لِي مِنْ مَالِك خُفًّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِكَذَا (بِأَجَلٍ) كَأَنْ يَقُولَ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (سَلَمٌ) سَوَاءٌ (تَعَامَلُوا) نَحْوُ خُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ لَا) كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا أَمَّا كَوْنُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْمُورَ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ بِهِ يَعْنِي لَمْ يَرْضَ بِهِ الْآمِرُ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ قَابِضًا بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْعَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ وَخَلَطَ الْمَأْمُورُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ) أَيْ أَصْلُ الْأَجَلِ مُطْلَقًا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَى أَدْنَى الْآجَالِ وَذَلِكَ شَهْرٌ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ أَيْ رَبُّ السَّلَمِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ إبْقَاءَ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ أَجَلٍ فَتَكُونُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَجَلُ فَأَيُّهُمَا ادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ لَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا) أَقُولُ تَعْمِيمُ الْخِلَافِ سَهْوٌ بَلْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِيَمِينِهِ لَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَاهُ رَبُّ السَّلَمِ فَيُصَدَّقُ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمُحِيطِ مُوَضَّحًا بِالتَّعْلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>