النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهَا -
وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَالشُّيُوعُ) بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ بِالْمَشَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمِلْكُ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ فِي الْمَشَاعِ فَيَجُوزُ (الْأَصْلِيُّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا إذَا آجَرَ كُلَّ الدَّارِ ثُمَّ فَسَخَا فِي النِّصْفِ أَوْ أَجَّرَ رَجُلَانِ دَارَهُمَا لِوَاحِدٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بِالْعَكْسِ (إلَّا مِنْ شَرِيكِهِ) ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَنْفَعَةِ حِينَئِذٍ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَالْبَعْضُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ وَالْبَعْضُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الشُّيُوعِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ السَّبَبِ وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الشُّيُوعُ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْكَافِي -
وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَجَهَالَةُ الْمُسَمَّى) بِأَنْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً بِلَا تَعْيِينٍ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) إنْ قَالَ آجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَلَمْ يَقُلْ بِكَذَا وَتَفْسُدُ أَيْضًا إذَا اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَارَتْ الْمَرَمَّةُ مِنْ الْأَجْرِ فَيَصِيرُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى (فَإِنْ فَسَدَتْ بِهِمَا) أَيْ بِهَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ (وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) إذْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفْسُدْ بِهِمَا بَلْ بِالشَّرْطِ أَوْ الشُّيُوعِ (لَمْ يَزِدْ) أَيْ أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إذَا كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمَا حَيْثُ سُمِّيَ الْأَقَلُّ (وَيَنْقُصُ عَنْهُ) أَيْ إنْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ نَاقِصًا عَنْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ قَدْرُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَسَادِ بِهِمَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى فِي الْفَسَادِ بِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي أَنْفُسِهَا عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَتْ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِرِضَاهُمَا بِإِسْقَاطِهِ، وَإِذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى أَوْ عُدِمَتْ التَّسْمِيَةُ انْتَفَى الْمُرَجِّحُ وَوَجَبَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَرَّرَ هَذَا الْكَلَامُ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْقَوْمِ مُضْطَرِبَةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ -
(فَإِنْ أَجَّرَ دَارِهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى (بِعَبْدٍ) أَيْ عَبْدٍ مَجْهُولٍ (فَسَكَنَ مُدَّةً) كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا (وَلَمْ يَدْفَعْهُ) أَيْ الْعَبْدَ (فَعَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُفْسَخُ فِي الْبَاقِي) مِنْ الْمُدَّةِ -
(آجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ فِي وَاحِدٍ فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ عَلَى جُمْلَةِ الشُّهُورِ لِجَهَالَتِهَا وَلَا عَلَى مَا بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْكُلِّ لَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِهَا مِنْ الْبَعْضِ فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَالشُّيُوعُ) أَقُولُ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَإِجَارَةُ الْمَشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: احْتَرَزَ عَنْ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَهَذَا حِيلَةُ جَوَازِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا حِيلَةُ جَوَازِهَا عِنْدَهُ أَنْ يَلْحَقَهَا حُكْمُ حَاكِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَّرَ رَجُلَانِ دَارَهُمَا. . . إلَخْ) .
أَقُولُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِينَ لَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ تَفْسُدُ فِي كِلْتَيْهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
(قَوْلُهُ: وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا تَفْسُدُ لَوْ جَهِلَ بَعْضَهُ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ مَا وَكَذَا إذَا رَدَّدَ فِي الزَّمَانِ كَأَنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِهِ إذَا لَمْ يَخِطْهُ إلَّا فِي الْغَدِ لِاجْتِمَاعِ التَّسْمِيَتَيْنِ فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَسَدَ بِهِمَا أَيْ بِهَذَيْنِ الْأَخِيرِينَ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ) أَقُولُ هَكَذَا مِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ تَرْدِيدِ الْعَمَلِ إذْ لَا يَتَجَاوَزُ فِيهَا الْمُسَمَّى مَعَ أَنَّ فَسَادَهَا لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَفْسُدْ بِهِمَا بَلْ بِالشَّرْطِ أَوْ الشُّيُوعِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ فَهَذِهِ فَسَدَتْ بِالشَّرْطِ وَزِيدَ فِيهَا عَلَى الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: هَكَذَا يَنْبَغِي. . . إلَخْ) أَقُولُ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَّرَ دَارِهِ بِعَبْدٍ مَجْهُولٍ فَسَكَنَ مُدَّةً وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَعَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُفْسَخُ فِي الْبَاقِي) أَقُولُ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى عَدَمِ دَفْعِ الْعَبْدِ إذْ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْفَسَادِ فَلَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَهُ بِأَنْ آجَرَ دَارِهِ سَنَةً بِعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ شَهْرًا وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ حَتَّى أَعْتَقَهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلشَّهْرِ الْمَاضِي أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُنْقَضُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ فَسَدَتْ فِيمَا بَقِيَ وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ دَارًا بِعَيْنٍ فَسَكَنَ الدَّارَ وَلَمْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ حَتَّى هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بَالِغًا