لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ -
(كَذَا الْمُرْتَهِنَانِ وَالْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مَا يُقْسَمُ) حَيْثُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ (نَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى عِيَالِهِ فَدَفَعَ إلَى مَنْ لَهُ بُدٌّ) أَيْ انْفِكَاكٌ (مِنْهُ) مَعَ أَنَّهُ مِنْ عِيَالِهِ (ضَمِنَ، وَ) دَفَعَ (إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَدَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى عَبْدِهِ وَمَا يَحْفَظُهُ النِّسَاءُ إلَى غَرْسِهِ) لَا -
(أَيْ لَا يَضْمَنُ) يَعْنِي أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَقَالَ لَا تَدْفَعُهَا إلَى امْرَأَتِكَ وَعَبْدِكَ وَأَمَتِكَ وَوَلَدِكَ وَأَجِيرِكَ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهَلَكَتْ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ أَهْلٌ وَخَدَمٌ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَقَدْ يَأْمَنُ الْإِنْسَانُ الرَّجُلَ عَلَى الْمَالِ وَلَا يَأْتَمِنُ عِيَالَهُ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى مَنْ نُهِيَ عَنْهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ حِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَضْمَنُ بِحِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ إلَّا بِهِ فَلَمْ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّقْيِيدَ فَبَطَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَحْفَظْ فَصَارَ مُنَاقِضًا لِأَصْلِهِ وَهَذَا كَمَا إذَا أَوْدَعَ دَابَّةً وَقَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى غُلَامِكَ أَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ الْوَدِيعَةُ شَيْءٌ يُحْفَظُ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ يُنَاقِضُ أَصْلَهُ فَصَارَ بَاطِلًا -
(كَمَا لَوْ أُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ وَصُنْدُوقٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ) أَيْ الْبَيْتِ (فَحَفِظَ فِي) بَيْتٍ (آخَرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ (أَوْ) صُنْدُوقٍ (آخَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْ (بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ) الْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْعَمَلُ بِهِ مُمْكِنًا وَالنَّهْيُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الْأَمْنِ وَالْحِفْظِ فَصَحَّ الشَّرْطُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَقَلَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْحِرْزِ فَالْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُفِيدٍ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الصُّنْدُوقَانِ، فَإِنَّ تَعَيُّنَ الصُّنْدُوقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ الصُّنْدُوقَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ ظَاهِرًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا) أَيْ لِلْبَيْتِ وَالصُّنْدُوقِ (خَلَلٌ ظَاهِرٌ) فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ الشَّرْطُ وَيَضْمَنُ بِالْخِلَافِ -
(أَوْدَعَ الْمُودَعَ فَهَلَكَتْ ضَمَّنَ) الْمُودِعُ الْمُودَعَ (الْأَوَّلَ فَقَطْ) وَقَالَا يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ (وَلَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ الْمَالِكَ أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ أَمَّا الْغَاصِبُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مُودَعُهُ فَلِقَبْضِهِ مِنْهُ بِلَا رِضَا مَالِكِهِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِهِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ) ، فَإِنَّ غَاصِبَهُ وَالْمُشْتَرِيَ مِنْهُ صَارَا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءٌ -
(مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَهُوَ) أَيْ أَلْفٌ (لَهُمَا وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّتْ فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ادَّعَاهُ بِانْفِرَادِهِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا أَوْ يَحْلِفَ لِلْأَوَّلِ وَيَنْكُلَ لِلثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَنْكُلَ لَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ. اهـ. فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ هُنَا عَلَى مَا قَيَّدْتُمْ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ حَفِظَ فِي دَارٍ أُمِرَ بِهِ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute