للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ وَتَعَلُّقَ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّهْنِ (تَسْقُطُ مِنْ دِيَتِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (بِقَدْرِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِذَا لَزِمَهُ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ أَمَانَةً، وَأَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودَعُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ) ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ، وَهِيَ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ.

(رَهَنَ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَارَ قِيمَتُهُ مِائَةً فَقَتَلَهُ حُرٌّ فَغَرِمَ مِائَةً، وَحَلَّ أَجَلُهُ أَخَذَ مُرْتَهِنُهُ الْمِائَةَ مِنْ حَقِّهِ وَسَقَطَ بَاقِيهِ) ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، (وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ) أَيْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ بِهَا (وَقَبَضَهَا رَجَعَ بِمَا بَقِيَ) وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هَاهُنَا (قَتَلَهُ) أَيْ عَبْدًا (يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بِكُلِّ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ، وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ (جَنَى) أَيْ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَعْنِي رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا (خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْعَبْدُ كُلُّهُ فِي ضَمَانِهِ، وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ افْدِ الْعَبْدَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَدَاهُ أَصْلَحَ رَهْنَهُ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِحَالِهِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ كَمَا كَانَ، (وَلَمْ يَرْجِعْ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَضْمُونٌ، وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ، (وَلَا يَدْفَعُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ (دَفَعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَ أَوْ فَدَى سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَأَخَذَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الدَّيْنُ (أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ) ، بَلْ يَكُونُ مُسَاوِيًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) أَيْ فَتَكُونُ حُكْمَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَلْزَمهُ، وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَصَوَابُهُ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا اهـ.

وَهَذَا إذَا كَانَ مَا لَزِمَهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَا يَحْكُمُ بِالسُّقُوطِ بِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ بَلْ مَا لَزِمَهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَّا فَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ طَرَفَيْ حُرٍّ وَعَبْدٍ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَقْتَصُّ مِنْ الرَّهْنِ إذَا حَضَرَ الرَّاهِنُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ اهـ.

وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ سَيِّدِهِ.

(قَوْلُهُ أَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. . . إلَخْ) هَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِهِمَا كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِبَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِ مَالِهِمَا.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ) الْمُرَادُ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمِائَةٍ فَالْمِائَةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ) فِيهِ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ قَتَلَهُ أَيْ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ بِكُلِّ دَيْنِهِ) يَعْنِي يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى فِكَاكِ الْعَبْدِ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْأَلْفُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ الْمُخْتَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ جَنَى خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ ثُمَّ إذَا فَدَاهُ الرَّاهِنُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>