للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيَّرَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ كَسُكْنَاهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ، وَالْإِلْزَامُ كَوْنُ السُّكْنَى الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعَمَلِ الْمُوهِنِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الدَّارَ مَعَ السُّكْنَى إذَا انْهَدَمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا ضَمَانٌ وَعِنْدِي نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَتْ الْعِبَارَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِيهَا أَوَّلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ غَيَّرَهَا وَتَبِعَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ.

(وَزَرْعِهِ) فَإِنَّ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا انْتَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ (أَوْ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ) عُطِفَ عَلَى بِفِعْلِهِ وَبَيَانٌ لِلضَّمَانِ فِي الْمَنْقُولِ أَيْ ضَمِنَ أَيْضًا مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ فَحَصَلَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ نَقْصٌ بِسَبَبِ اسْتِغْلَالِهِ (بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا لِنُقْصَانِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ فَحُشَ النُّقْصَانُ.

(وَتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا رَدَّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ بَعْدَ نُقْصَانِ السِّعْرِ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرَاجُعَهُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ لَا بِفَوَاتِ جُزْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ الِانْتِظَارِ إلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لِيَسْتَرِدّهُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْغَاصِبِ بِنَقْلِهِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ وَيُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ.

(وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ) عُطِفَ عَلَى ضَمِنَ أَيْ إذَا غَصَبَ عَبْدًا مَثَلًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ تَصَدَّقَ بِأَجْرِ أَخْذِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مَالًا بِعَقْدِهِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِبَدَلِهَا، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لِاسْتِفَادَتِهَا بِبَدَلٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ.

(وَأَجْرِ مُسْتَعَارِهِ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أَجْرَهُ مَلَكَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصَدُّقُهُ لِمَا ذَكَرَ، (وَرِبْحٍ) أَيْ تَصَدَّقَ أَيْضًا بِرِبْحٍ (حَصَلَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مُودَعِهِ وَمَغْصُوبِهِ مُتَعَيَّنًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الشِّرَاءِ بِدَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ وَنَقَدَهَا فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَهَا لَا) يَعْنِي أَنَّ الْمُودِعَ أَوْ الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَسْتَفِيدُ الرَّقَبَةَ وَالْيَدَ فِي الْمَبِيعِ بِمِلْكٍ خَبِيثٍ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَ مِنْهَا أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا إلَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ،.

وَفِي الْكَافِي قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(قَوْلُهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ. . . إلَخْ) . قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ نَخْتَارَ الْأَوَّلَ وَهُوَ التَّقْيِيدُ، وَيُفْهَمُ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْهَدْمِ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْهِدَامُ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَالْهَدْمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يُوجِبَ فَتَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ وَزَرْعَهُ) اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِهِ قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ قَبْلَ اسْتِعْمَالٍ وَبِكَمْ بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ بِكَمْ تُشْتَرَى قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَبِكَمْ تُشْتَرَى بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا قِيلَ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يَعْنِي قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَيْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ) كَذَا لَوْ اسْتَعَارَهُ فَأَجَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا وَالْمُرَادُ نُقْصَانُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الْخِيَارُ.

(قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بَالِغَةً كُلَّهَا.

(قَوْلُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَذَكَرَ الِاخْتِيَارَ الْمَذْكُورَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَاخْتِيَارُ بَعْضِهِمْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ اهـ.

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْفَقِيهَ السَّمَرْقَنْدِيَّ اهـ.

وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّصَدُّقِ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا كَطَعَامٍ وَعُرُوضٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>