وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي مَالِي يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَقَطْ، وَقِيلَ التَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ، وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ يُقَالُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أَيْ فَوَّضْنَا أُمُورَنَا وَسَلَّمْنَا، وَعَلَى هَذَا (التَّوْكِيلُ) لُغَةً تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ وَشَرْعًا (تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ) فِي أَمْرِهِ (إلَى غَيْرِهِ) وَإِقَامَتِهِ مُقَامَهُ (وَالرِّسَالَةُ تَبْلِيغُ الْكَلَامِ إلَى الْغَيْرِ) بِلَا دَخْلٍ فِي التَّصَرُّفِ، (وَشَرْطُ جَوَازِهِ كَوْنُ الْمُوَكِّلِ أَهْلَ تَصَرُّفٍ) لَمْ يَقُلْ أَهْلَ التَّصَرُّفِ لِئَلَّا يُفْهَمَ إرَادَةُ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ لِاسْتِلْزَامِهَا بُطْلَانَ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ، (وَ) كَوْنُ (الْوَكِيلِ يَعْقِلُهُ) أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ وَالْفَاحِشَ (وَيَقْصِدُهُ) حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ هَازِلًا لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُوَكِّلِ أَهْلَ تَصَرُّفٍ بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ) ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْوَكِيلُ يَعْقِلُهُ وَيَقْصِدُهُ بِقَوْلِهِ (وَالْحُرُّ) أَيْ وَيَصِحُّ أَيْضًا تَوْكِيلُ الْحُرِّ (الْبَالِغِ وَالْمَأْذُونِ) عَبْدًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا (مِثْلَهُمَا) ، فَيَتَنَاوَلُ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ (وَصَبِيًّا يَعْقِلُهُ وَعَبْدًا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مَحْجُورَيْنِ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كُلٍّ مِمَّا ذَكَرَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ هَاهُنَا وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا (وَالتَّوْكِيلُ) عُطِفَ عَلَى تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ (بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَازِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ (لِنَفْسِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا أُمِرَ بِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا جَازَ (وَبِالْخُصُومَةِ) عُطِفَ عَلَى بِكُلٍّ (فِي كُلِّ حَقٍّ) إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، (وَلَمْ يَلْزَمْ) أَيْ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ اتِّفَاقِيٌّ وَالْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ (بِلَا رِضَا خَصْمِهِ) الْمُتَأَخِّرُونَ اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي إبَاءِ الْوَكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ فِي التَّوْكِيلِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي (إلَّا الْمُوَكِّلُ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ) أَيْ غَائِبٌ مَسَافَةَ ثَلَاثِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (أَوْ مُرِيدٌ لِلسَّفَرِ) بِأَنْ يَنْظُرَ لِلْقَاضِي فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ، وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ (أَوْ مُخَدَّرَةٌ) لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ.
(وَصَحَّ) أَيْضًا التَّوْكِيلُ (بِإِيفَائِهِ) أَيْ بِإِيفَاءِ كُلِّ حَقٍّ (وَاسْتِيفَائِهِ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (بِغَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ) عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ (قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، وَلَوْ زَادَ جَائِزٌ أَمْرُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ. . . إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً تَكُونُ عَيْنًا فَيَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْحُرِّ الْبَالِغِ) مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ غَنِيَّةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ بَالِغًا، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَصُّ وَصَحَّ تَوْكِيلُ الْبَالِغِ كَافِرًا فَكَذَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ) لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا انْحِصَارُ الصُّوَرِ فِيمَا ذَكَرَ لِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ حُرًّا وَبَالِغًا (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِكُلِّ مَا يُقْعِدُهُ بِنَفْسِهِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْوَكِيلِ لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ.
(قَوْلُهُ أَوْ مُخَدَّرَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ اهـ فَامْتَنَعَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُك مُقَامَ نَفْسِي لَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً تَتَنَاوَلُ الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةَ وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ تَاجِرًا تِجَارَةً مَعْرُوفَةً تَنْصَرِفُ إلَيْهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ جَائِزٌ أَمْرُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) أَقُولُ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ كَلَامِ الصُّغْرَى الَّذِي غَيَّاهُ بِظُهُورِ غَيْرِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي غَيْرُهُ وَهُوَ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُك يَصِيرُ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَقْفِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَمْلِكُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّعْمِيمِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلُ سَابِقَةِ الْكَلَامِ وَنَحْوُهُ بِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ إذَا قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ صُنْعُك رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْإِعْتَاقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا فِي الْهِبَاتِ وَالْإِعْتَاقِ قَالَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا قَرِيبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute