فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ قَصْدًا وَتَجُوزُ ضِمْنًا كَمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ (وَكَفَالَةً) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا لِلْآخَرِ لِيَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا وَطَلَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يُقَالُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهَا وَلَوْ سُلِّمَ فَذَلِكَ فِي الْكَفِيلِ الْقَصْدِيِّ وَهَاهُنَا ضِمْنِيٌّ كَالْوَكَالَةِ (وَتَسَاوَيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (مَالًا) يَعْنِي مَالًا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا سَنُبَيِّنُ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِيهِمَا (وَتَصَرُّفًا) بِأَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَإِلَّا فَاتَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ (فَلَا تَصِحُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَفَالَةً (بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَصَبِيَّيْنِ وَمُكَاتَبَيْنِ) فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ الْكَفَالَةِ (وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَرُّفًا فَإِنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَسْتَقْبِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِهِ وَالْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ وَدَيْنًا كَمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لِانْدِرَاجِ مَا يُفِيدُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَتَصَرَّفَا كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ.
(وَلَا بُدَّ) فِي انْعِقَادِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ (مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بَيَانِ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ جَمِيعَ شَرَائِطِهَا فَيُجْعَلُ التَّصْرِيحُ بِالْمُفَاوَضَةِ قَائِمًا مَقَامَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ بَيَّنَا جَمِيعَ مَا يَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ صَحَّتْ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ (فَمُشْرَى كُلٍّ لَهُمَا) أَيْ إذَا ذُكِرَ اللَّفْظُ أَوْ بُيِّنَ الْمَعْنَى يَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ (إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ) وَالْإِدَامَ (وَكِسْوَتَهُمْ) أَيْ كِسْوَةَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا حِينَ شَارَكَ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْمُفَاوَضَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَثْنِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مِمَّا هُوَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَشْرُوطِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَقَدْ قَضَى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ لُزُومِ دَيْنٍ بِمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ (كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالِاسْتِئْجَارِ أَوْ كَفَالَةٍ) بِمَالٍ (بِأَمْرٍ) أَيْ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ ذَلِكَ الدَّيْنَ (الْآخَرُ) وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ (وَبِلَا أَمْرٍ لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ شَرِيكُهُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَتْ بِأَمْرِ كَانَتْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُشْتَرَكًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ فِيهِ يُطَالَبُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ كَالشِّرَاءِ. . . إلَخْ) وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute