للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ لِأَنَّ الْغَرَضَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِرِضَاءِ أَحَدِهِمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يَسْأَلَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخْتَارُهُ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا ادَّعَاهُ ثَمَنًا وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرًا وَتَحْلِيفُ الْمُنْكِرِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ أَمَّا التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ مُدَّعِيًا عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» (وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ هُوَ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ فَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ (لَوْ سِلْعَةً بِثَمَنٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ حَتَّى يَكُونَ مُقَايَضَةً بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ حَتَّى يَكُونَ صَرْفًا بِثَمَنٍ (فَبِأَيِّهِمَا شَاءَ) أَيْ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ وَصِفَةِ التَّحَالُفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ (وَفَسَخَهُ الْقَاضِي) أَيْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا (بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) أَوْ طَلَبِهِمَا (وَلَا يَنْفَسِخُ) وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَقِيَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا

. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ يَحِلُّ) أَيْ وَطْؤُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي (وَمَنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ أَوْ بَاذِلًا لَهُ (لَا تَحَالُفَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ وَمَكَانِ دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحَلِفِ الْمُنْكِرِ) أَيْ مُنْكِرِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ (وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَلَا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ (قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَصِفَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ.

وَفِي الزِّيَادَاتِ يُضَمُّ إلَى النَّفْيِ الْإِثْبَاتُ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ. اهـ. وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا فِي الْكَافِي مُوَجَّهًا

(قَوْلُهُ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهَذَا التَّحَالُفُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ قَصْدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي زِقِّ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي الْمَبِيعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَايَضَةِ يَتَحَالَفَانِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ فَسْخُهُ وَإِذَا فُسِخَ يُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ) كَذَا فِي الْكَافِي اهـ.

وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ تَغَيُّرِهِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَكَانَ التَّغَيُّرُ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ مَنَعَتْ التَّحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَهُمَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَتَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَلَا تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ تَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ وَالْمَكْسُوبِ لَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَكَذَا هِيَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَإِذَا تَحَالَفَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَتَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْخَبَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَيَغْنَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>