للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا لَا عِبْرَةَ لَهُ بَلْ يُقْضَى لِلْخَارِجِ (ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِي غَابَ عَنِّي مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لِي مُنْذُ سَنَةٍ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي تَارِيخَ غَيْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ يَدِهِ لَا تَارِيخَ مِلْكِهِ فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي الْمِلْكِ مُطْلَقًا خَالِيًا عَنْ التَّارِيخِ وَصَاحِبُ الْيَدِ ذَكَرَ التَّارِيخَ لَكِنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ دَعْوَى صَاحِبِ الْيَدِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ كَدَعْوَى الْخَارِجِ فَيُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ (بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) يَعْنِي ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ (قُضِيَ بِهِ لَهُمَا) بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» .

(وَ) بَرْهَنَا (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ آخَرَ (فَلِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ أَوْ تَرْكُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِلَا تَوْقِيتٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ دَعْوَاهُمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ (وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ مَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ (لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا) أَيْ إنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ (وَلِذِي يَدٍ إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا) أَيْ إنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لَكِنَّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَتَحْقِيقُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مَا مَعَ الْبَعْدِ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدَ إذَا تَقَرَّرَتَا فَقَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُقَدَّمَ أَوْلَى (أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى لِذِي يَدٍ إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا مَرَّ فَيَبْقَى الْيَدُ الدَّالُّ عَلَى سَبْقِ الشِّرَاءِ كَمَا عَرَفْت (وَلِذِي وَقْتٍ إنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ احْتِمَالِ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ (بِلَا يَدٍ لَهُمَا) بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى إذْ بِذِكْرِ الْوَقْتِ لَا يَزُولُ احْتِمَالُ سَبْقِ ذِي الْيَدِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) يَعْنِي وَادَّعَيَا مُطْلَقَ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوَقِّتَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوَقْتِ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْآخِرُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَأْخُذُهُ الْآخَرُ كُلَّهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. . . إلَخْ) لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِشَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَالْحُجَّةُ قَامَتْ وَلَمْ يَنْفَسِخْ سَبَبُهُ وَزَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ مُرَادُ الْآخَرِ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ) أَيْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ. . . إلَخْ)

قَالَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا) أَيْ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ بَلْ وَقَّتَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ) يَعْنِي بِهِ اللُّزُومَ الظَّاهِرِيَّ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ ذِي الْيَدِ يَكُونُ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى. . . إلَخْ) لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَعْلِيلَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنَّ مَا مَعَ الْبُعْدِ بُعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدُ) كَلِمَةُ مَا هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ شِرَاءِ الْغَيْرِ وَالْبَعْدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ بَعْدَ اسْمًا بِلَا ظَرْفِيَّةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَوْ قَالَ إنَّ مَا مَعَ الْمُتَأَخِّرِ تَأَخُّرًا زَمَانِيًّا فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ لَكَانَ أَحْسَنَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>