للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْقِيقُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا تَقْدِيمُ الرُّكْنِ نَحْوُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خَاصَّةً وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ وَفَرْضٌ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى أَرْكَانِ الْمَرْتَبَةِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَرْكَانِ بِمَا ذَكَرْنَا وَيُعْلَمُ مِنْ جَمِيع مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا مُخْتَلٌّ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَكَرَّرَ لَيْسَ قَيْدًا. . . إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ لِنَظِيرِ تَقْدِيمِ الرُّكْنِ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّرْتِيبِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ رِعَايَةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي صُورَةٍ بِخُصُوصِهَا وُجُوبُ رِعَايَتِهِ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَخْطُرُ بِبَالِي. . . إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِالْبَالِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ نَفْسُهُ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ وَتَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخِيرَةٌ وَتَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ لَا تَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ تَوْجِيهًا لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي لِكَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْمَقَامِ وَتَحْقِيقِهِ، وَقَدْ وَقَعَ هَاهُنَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ السَّلَفِ وَمَنْ حَالُهُ حِرْصٌ عَلَى رَدِّ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ وَشَغَفٌ مَا يَتَعَجَّبُ النَّاظِرُ فِيهِ مِنْ حَالِهِ وَيَقِيسُ عَلَيْهِ سَائِرَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ مَقَالِهِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (الْخُرُوجُ) مِنْ الصَّلَاةِ (بِصُنْعِهِ) أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَهُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(قَوْلُهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ) أَقُولُ إنْ أَرَادَ نَحْوَ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَازِمُ التَّقْدِيمِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ عَنْ الرُّكُوعِ فَصَدَقَ قَوْلُهُمْ الرُّكُوعُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يُوجِبُ السَّهْوَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ صَحِيحٌ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيمِ الْمُتَّحِدِ شَرْعِيَّةً عَلَى مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ) يَعْنِي مِنْ بَيَانِ فَرْضِ التَّرْتِيبِ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوهُ لِبَيَانِ مَا يُفْتَرَضُ تَرْتِيبُهُ وَلَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ مَا يَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي رُبَاعِيَّةٍ أَمَّا الثُّنَائِيَّةُ وَبَاقِي الْمَغْرِبِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى مِنْهَا فَيُفْتَرَضُ تَقْدِيمُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ فِيهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِتَرْكِهِ فِيهَا فَقَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ هُنَا فَاعْلَمْهُ.

(قَوْلُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ. . . إلَخْ) يَعْنِي فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ إمَّا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا) إنْ أَرَادَ الْإِشَارَةَ لِكَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي مَتْنِهِ فَالْمُرَادُ الْأَرْكَانُ الْمُتَكَرِّرَةُ فِي الرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَالْمُتَّحِدَةُ.

(قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بَلْ قَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ بِقَوْلِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ سُلِّمَ) أَيْ مَا خَطَرَ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ.

(قَوْلُهُ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا) أَقُولُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّوَابُ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ فَكِّ التَّرْتِيبِ فَيُقَالُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا لَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا.

(قَوْلُهُ لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا) ضَمِيرُهُ يَرْجِعُ لِلتَّرْتِيبِ فَالْمَعْنَى إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مَقْدُورًا فَرْضًا وَهَذَا بَاطِلٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَتَى أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا.

(قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا بَلْ وَاجِبَةً فِيمَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُمْكِنُ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى تَدَارُكِ الْمَتْرُوكِ وَصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ فَرْضٌ كَالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ بِتَدَارُكِ الرُّكُوعِ وَحْدَهُ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي. . . إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ مَنْ حَشَّى عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ وَأَجَابَ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُحَشِّي هَذَا الْكِتَابِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ فَقَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لَمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخَرُّجِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَنَذْكُرُهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>