للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فَإِنَّك تَجِدُهُ عَلَى مَا قُلْت، وَقَالَ فِيهِمْ مَا سَقَطَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ الْكِتَابَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَمْتَنِعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْح الْمُفْرَدِ مَقْبُولَةٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ هَذَا إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ، وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ يَعْنِي أَنَّهُ تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَتَقَعُ الشُّبْهَةُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ مَعَ الشُّبْهَةِ لَا يَجُوزُ فَيَتَفَحَّصُ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْوَاحِدُ فَلَا يَقْضِي بِالْكِتَابِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.

(وَإِنْ مَاتَ) الْخَصْمُ (نَفَذَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكِتَابَ (عَلَى وَارِثِهِ أَوْ وَصِيُّهُ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ.

(جَازَ نَقْلُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَلَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي بَلْدَتِهِ وَآخَرُ فِي بَلْدَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ شَهَادَةَ مَنْ فِي بَلْدَتِهِ وَيَدَّعِي عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصُ وَيَتَمَسَّكُ بِكِتَابِ الشَّهَادَةِ وَيُشَاهَدُ هُنَاكَ جَازَ.

(وَ) جَازَ (كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَأَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِيُخَاصِمَ مِنْ جَانِبِهِ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَازَ أَيْضًا.

(وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْقَاضِي (بِعِلْمِهِ) قَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ عِلْمَ الْقَاضِي حَتَّى قَالَ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ زَيْدًا غَصَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا جَوَابُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَإِنْ اسْتَفَادَ الْعِلْمَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ.

قَالَ لَعَلَّ الْقَاضِيَ يَكُونُ غَالِطًا فِيمَا يَقُولُ فَيُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِ شَاهِدٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عِلْمُهُ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ بِمَعْنَى شَاهِدَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السِّجِلِّ وَبَيَانِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَحْضَرِ وَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ وَفِي السِّجِلِّ مِنْ تَمَامِ التَّبْيِينِ وَبَيَانِ الصَّكِّ، وَالْحُجَّةِ، وَالْوَثِيقَةِ فَقَالَ (وَالْمَحْضَرُ مَا كُتِبَ فِيهِ حُضُورُ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ الْإِنْكَارِ) مِنْهُ (أَوْ الْحُكْمِ) بَعْدَ إنْكَارِهِ (بِالْبَيِّنَةِ) مِنْ الْمُدَّعِي (أَوْ النُّكُولِ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ وَكَذَا السِّجِلُّ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: إنَّ الْإِشَارَةَ فِي الدَّعَاوَى، وَالْمَحَاضِرِ وَلَفْظَ الشَّهَادَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَهَمَّ قَطْعًا لِلِاحْتِمَالِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِدَعْوَاهُ يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقَهُ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا فِي السِّجِلَّاتِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا كَتَبَ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى: حَضَرَ فُلَانٌ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الَّذِي أُحْضِرَ عَلَيْهِ لَا يُفْتَى بِصِحَّةِ الْمُحْضَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ إذْ بِدُونِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ أَحْضَرَ هَذَا وَادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَحْضَرِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذَا فَيَكْتُبُ الْمُدَّعِي هَذَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ كَانُوا لَا يُفْتُونَ بِالصِّحَّةِ بِدُونِهِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إنَّهُ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ عَدَلُوا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَحْضَرَهُ الثَّانِي قَدْ يَكُونُ لَهُ مَطْعَنٌ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ إنْ كَانَ

(قَوْلُهُ وَجَازَ كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ) لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِدُونِهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ.

(قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ أَيْ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) الْمُخْتَارُ عَدَمُ حُكْمِهِ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>