للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ بِالزُّيُوفِ، وَالنَّبَهْرَجَةِ لَا بِالسَّتُّوقَةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَعْوَى الزِّيَافَةِ أَوْ النَّبَهْرَجَةِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ فَيُقْبَلُ (كَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ أَوْ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ.

(قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ) أَيْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ (ثُمَّ صَدَّقَهُ) أَيْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ (لَغَا تَصْدِيقُهُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا قَالَ: لَا شَيْءَ لِي عَلَيْك فَقَدْ رَدَّ إقْرَارَهُ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَمَلَكَ إبْطَالَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ بِرَدِّهِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ.

(ادَّعَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَوْفَيْتُكَهَا فَجَاءَ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

(أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءٍ وَأَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رُدَّتْ بَيِّنَةُ بَائِعِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ بَيْعَهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا وَأَرَادَ رَدَّهَا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ إذْ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ تُصْرَفُ فِي الْعَقْدِ بِتَغْيِيرِهِ عَنْ اقْتِضَاءِ صِفَةِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهَا وَتَغْيِيرُ الْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ بِلَا عَقْدٍ مُحَالٌ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْفِيقُ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ الدَّيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يُقْضَى، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا كَمَا مَرَّ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا.

(بَطَلَ صَكٌّ كَتَبَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " فِي آخِرِهِ) أَيْ إذَا كَتَبَ رَجُلٌ إقْرَارَهُ بِدَيْنِهِ فِي صَكٍّ ثُمَّ كَتَبَ فِي آخِرِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الصَّكَّ وَطَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى قَوْلِهِ مَنْ قَامَ. . . إلَخْ.

وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَلَوْ صَرَفَ إلَى الْكُلِّ يَكُونُ لِلْإِبْطَالِ وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ.

(مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ: عِرْسُهُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ: وَرَثَتُهُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقُوا) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَالْحَالُ تَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ حَيْثُ يَحْكُمُ الْحَالُ وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْمَاضِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْتَبَرُ لِلدَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِلِاسْتِحْقَاقِ (كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَاتَ فَقَالَتْ عِرْسُهُ: أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالُوا بَعْدَهُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَمْرًا حَادِثًا، وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يُضَافَ حُدُوثُهَا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ.

(قَالَ هَذَا ابْنُ مُودِعِي الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَهَا إلَيْهِ) يَعْنِي مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُودِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُ أَوْ الثَّمَنُ أَوْ الِاسْتِيفَاءُ) مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا إذَا فَصَلَ وَأَمَّا إذَا وَصَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ.

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَقَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ، وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ، وَالسَّتُّوقَةُ صَفَرٌ مُمَوَّهَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّفَرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبَ

(قَوْلُهُ مَاتَ ذِمِّيٌّ. . . إلَخْ) جَوَابُ مَا أُورِدَ نَقْضًا عَلَى هَذَا مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ، وَالْكَافِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>