للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ بِشَيْءٍ لَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَة لِلْمُوصَى لَهُ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

(وَ) أَوْصَى (لِرَجُلٍ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ) أَيْ الْمُوصِي (وَفِيهِ ثَمَرَةٌ تَكُونُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هَذِهِ الثَّمَرَةُ فَقَطْ) لَا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا (وَإِنْ ضَمَّ) أَيْ الْمُوصِي (أَبَدًا) بِأَنْ قَالَ: ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لَهُ أَبَدًا (فَلَهُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الثَّمَرَةِ الْأُولَى (مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا) مُطْلَقًا (كَمَا فِي غَلَّةِ بُسْتَانِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةٍ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ إذَا أُطْلِقَتْ حَيْثُ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الصَّرْفُ عَنْهُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ.

(وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ مَا فِي وَقْتِ مَوْتِهِ ضَمَّ أَبَدًا أَوْ لَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصَى سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ، وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ، وَالْإِجَارَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ أَمَّا الْوَلَدُ، وَالصُّوفُ، وَاللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا، وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ.

(أَوْصَى بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَأَجَازُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (تُجْعَلُ مَسْجِدًا) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا زَالَ الْمَانِعُ (فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَارِثِ، وَالْوَصِيَّةِ.

(وَ) أَوْصَى (بِظَهْرِ مَرْكَبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ.

(إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ وَذِكْرُ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجُوزُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّرْفِ إلَى مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ.

(قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ (وَعِنْدَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ:) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصِي لَهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَخَرَاجُهُ وَمَا فِيهِ صَلَاحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ:، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهَذَا كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا عِنْدَ الْمَوْتِ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَذْكُورٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ. . . إلَخْ) مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا) صُورَتُهُ قَالَتْ: لِزَوْجِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي صَحَّ وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَطْنِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ تَغْرَمْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حَمْلُ جَارِيَتِي وَلَيْسَ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّامِلِ

(قَوْلُهُ: أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْوَصِيَّةُ لِمَسْجِدِ كَذَا أَوْ لِقَنْطَرَةِ كَذَا جَائِزَةٌ وَهُوَ لِمَرَمَّتِهَا وَإِصْلَاحِهَا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ اهـ.

وَقَالَ قَاضِي خَانْ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمَسْجِدِ وَعَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفِقَ ثُلُثَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْكَعْبَةِ جَازَ لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيُصْرَفُ إلَى سِرَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>