للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" يَقْتَضِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "فِي كل أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ" يَقْتَضِي أَنَّ السَّائِمَةَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَة غَيْرِ السَّائِمَةِ، لَكِنَّ العُمُومَ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ، كَمَا أَنَّ تَغْلِيبَ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ أَشْهَرُ مِنْ تَغْلِيبِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ).

تغليب المطلق على المقيد هو رأي ابن حزم صاحب كتاب "المحلى" المعروف، وهو حقيقةً من الكتب القيمة في الفقه الإسلامي؛ لأن مؤلفه عُني بأحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيندر أن يذكر حكمًا إلا ومعه دليل، لكن يؤخذ عليه -رَحِمَهُ اللَّهُ وعفا عنا وعنه- أن عباراته قوية، وربما كان فيها تحامل على العلماء، وربما كان فيها أيضًا قسوة على بعض العلماء الأعلام، الذين أجمع العلماء على تزكيتهم، وفضلهم، ومواقفهم العظيمة في خدمة الإسلام.

هذا حقيقةً مما جعل طلاب العلم أو بعضهم ينشر عنه، ولذلك هذا الكتاب لا يقرأ فيه إلا إنسان قد تمكن من معرفة الفقه، وأدرك حقيقة الأمر؛ لأن مؤلفه لديه بلاغة، أو ربما يستدل ببعض الأمور، وربما يقع الإنسان في بعض الأمور التي يذكرها، فله مثلًا مسائل شاذة، يعني هو يرى مثلًا أن الإنسان إذا صلى في البيت ركعتي الفجر فلا بد أن يستلقي، أن ينام قليلًا، ولو لم يفعل ذلك لا يصح منه، وهذا حقيقةً رأي شاذ، وفي الكتاب آراء كثيرة شاذة، لكن الكتاب لا شك أنه قيم، وفيه ثروة فقهية عظيمة، وثروة حديثية، وهو أيضًا إلى جانب الاستدلال يُعنى بسند الحديث، لكن من يريد أن يقرأ في هذا الكتاب وفي أمثاله، ينبغي أن يكون على علمٍ به، وكما قيل: قبل الرماء تُملأ الكنائن؛ فالإنسان يعرف اتجاه الكتاب، وغايته، ومنهجه، ثم بعد ذلك يمكن أن يقرأ فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>