للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (١) إِلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْضِي عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَأَنَّ فِي الْغَنَمِ سَائِمَة وَغَيْرِ سَائِمَةٍ الزَّكَاةَ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ" (٢). وَأَنَّ الْبَقَرَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا أَثَرٌ وَجَبَ أَنْ يُتَمَسَّكَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا فَقَطْ، فَتَكُونُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَقْرِ وَغَيْرِهَا قَوْلًا ثَالِثًا).

هذا في الحقيقة قول غير مُسلّم، ولا شك أن الحق -فيما يظهر لنا وهو الواضح كما دلت الأدلة- مع جماهير العلماء الذين قصروا وجوب الزكاة في هذه الحيوانات على سائمتها.

ونحن منذ أن بدأنا في الزكاة، ونحن نجد أنه كثيرًا ما يمر بنا كلمة النماء، والأصل أنه إنما فُرضت الزكاة في أي أمرٍ من الأمور؛ سواءٌ كان هذا الذي فُرضت فيه الزكاة نقدًا؛ من ذهبٍ، أو فضة، أو كان أيضًا من بهيمة الأنعام، أو كان مما يخرج من الأرض، فإن الشريعة راعت فيه النماء؛ لأن الإنسان عندما يريد أن يعمل عملًا من الأعمال؛ فالإنسان الذي يغرس الغرس ويبذر البذر، إنما هو يريد أن تنبت مزرعته، وهو يريد أن يستفيد منها؛ ليأكل هو، وليبيع ما زاد من ذلك، وهو أيضًا يريد الكسب في ذلك في الغالب، كذلك الذي يترك ماشيته ترعى في البراري وفي الصحراء، يتتبع مواقع القطر، وكذلك العشب والكلأ، إنما هو يريد


(١) يُنظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم (٤/ ١٤٢)؛ حيث قال: "ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ تَصْحِيحِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ مُوهِمِينَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِمْ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ إلَّا فِي السَّائِمَةِ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَخِلَافِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَللسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ -رضي اللَّه عنهم- دُونَ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ، إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ -وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ".
(٢) أخرجه البخاري (١٤٠٥)، ومسلم (٩٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>