للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَوَعَّدَ الْعَاصِينَ.

وَالْعَامِلُونَ عَلَى أَصْنَافٍ صِنْفٌ عَبَدُوهُ لِذَاتِهِ وَكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَخْلُقْ جَنَّةً وَلَا نَارًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا عَبَدْنَاك خَوْفًا مِنْ نَارِك وَلَا طَمَعًا فِي جَنَّتِك أَيْ بَلْ عَبَدْنَاك لِاسْتِحْقَاقِك ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْقَائِلُ يَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ جَهْلٌ فَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْقَائِلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، وَقَالَ: مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» .

فَهَذَا سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَمَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ خَتَّالٌ.

وَمِنْ آدَابِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا: الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِافْتِقَارُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْمَمَاتِ. كَذَا قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ حَقٌّ. وَصِنْفٌ عَبَدُوهُ خَوْفًا مِنْ نَارِهِ وَطَمَعًا فِي جَنَّتِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ هُوَ دُونَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَكِلَا الصِّنْفَيْنِ يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ وَاسْتِحْقَاقَهَا خَاضِعُونَ تَحْتَ قَهْرِ الرُّبُوبِيَّةِ مُنْقَادُونَ تَحْتَ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مُسَخَّرُونَ تَحْتَ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ الْيَهُودُ {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨] بَلَى نَحْنُ عَبِيدُهُ نَوَاصِينَا بِيَدِهِ مَاضٍ فِينَا حُكْمُهُ عَدْلٌ فِينَا قَضَاؤُهُ وَمَعَ ذَلِكَ نُحِبُّهُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُحِبَّنَا.

وَأَمَّا هَذَا الشَّخْصُ الَّذِي جَرَّدَ وَصْفَ الْمَحَبَّةِ وَعَبَدَ اللَّهَ بِهَا وَحْدَهَا فَقَدْ رَبَا بِجَهْلِهِ عَلَى هَذَا وَاعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ رَفَعَتْهُ عَنْ حَضِيضِ الْعُبُودِيَّةِ وَضَآلَتِهَا وَحَقَارَةِ نَفْسِهِ الْخَسِيسَةِ وَذِلَّتِهَا إلَى أَوْجِ الْمَحَبَّةِ كَأَنَّهُ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَآخِذٌ عَهْدًا مِنْ رَبِّهِ أَنَّهُ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَضْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ كَلًّا بَلْ هُوَ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سُلُوكُ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ وَتَضَاؤُلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحْتِقَارُهُ نَفْسَهُ وَاسْتِصْغَارُهُ إيَّاهَا وَالْخَوْفُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَعَدَمُ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَرَجَاءُ فَضْلِ اللَّهِ وَاسْتِعَانَتُهُ بِهِ وَاسْتِعَانَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَقُولُ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ: مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك وَيَعْتَرِفُ بِالتَّقْصِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>