للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَهَبَهُ وَلَدًا حَصُورًا لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: ٣٩] فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ وِرَاثَةَ الْمَالِ كَانَ إعْطَاؤُهُ وَلَدًا يَكُونُ لَهُ عَقِبًا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِمِيرَاثِهِ الْمَالِيِّ لَوْ كَانَ يُورَثُ عَنْهُ الْمَالُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: ٥] مَعْنَاهُ خَوْفُهُمْ عَلَى إرْثِ مَالِهِ لِكَوْنِهِ لَا وَلَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مَوْلًى وَلَهُ عَصَبَاتٌ وَهُمْ أَسْبَاطُ بَنِي إسْرَائِيلَ فَمِنْ أَيْنَ يُتَوَهَّمُ وِرَاثَةُ الْمَالِ لِلْمَوَالِي فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي وِرَاثَةِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا أَيْضًا فِي وِرَاثَةِ الْخِلَافَةِ كَمَا ادَّعَتْهُ الدَّوْدَوِيَّةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إلَّا فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ تَقَرُّبًا لِبَنِي الْعَبَّاسِ عَلَى أَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ لَمْ يَرْتَضُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَلَا ادَّعَاهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَيًّا عِنْدَمَا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ وِرَاثَةِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِمَّا يُورَثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ لَهُ مِنْهُ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ كَلَامٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَوَهَّمَتْهُ نَفْسُهُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

فَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ حَصَرَتْهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ قَصَرُوهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ بَعْضُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَّا لِبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً وَيَرَاهَا فِي جَمِيعِ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ لَمْ يُعْقِبْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ غَيْرَهُمْ، وَهُمْ الْعَبَّاسُ وَالْحَارِثُ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو لَهَبٍ، وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ طَبَرِيَّةَ الْأُرْدُنِّ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إلَّا فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَلَهُ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفٌ مَجْمُوعٌ وَلَعَلَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَقَرُّبًا إلَى بَنِي أُمَيَّةَ.

وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ رَأَى كِتَابًا مُؤَلَّفًا لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَجُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَطْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَقَالَاتٌ بَاطِلَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي قُرَيْشٍ وَلَا تَخْتَصُّ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَلَا تَجُوزُ فِي حَلِيفٍ لَهُمْ وَلَا مَوْلًى وَلَا فِيمَنْ أَبُوهُ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَأُمُّهُ قُرَشِيَّةٌ، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَجُمْهُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>