أَوْ إنْسِيًّا، وَهِيَ فِي الدَّلَالَةِ كَآيَةِ الْفُرْقَانِ أَوْ أَصْرَحُ فَإِنَّ احْتِمَالَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْفُرْقَانِ غَيْرُ وَارِدٍ هُنَا، فَهَذِهِ مَوَاضِعُ فِي الْفُرْقَانِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً قَوِيَّةً أَقْوَاهَا آيَةُ الْأَنْعَامِ هَذِهِ وَتَلِيهَا آيَةُ الْفُرْقَانِ وَتَلِيهَا آيَاتُ الْأَحْقَافِ وَتَلِيهَا آيَاتُ الرَّحْمَنِ وَخِطَابُهَا فِي عِدَّةِ الْآيَاتِ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] وَتَلِيهَا سُورَةُ الْجِنِّ فَقَدْ جَاءَ تَرْتِيبُهَا فِي الدَّلَالَةِ وَالْقُوَّةِ كَتَرْتِيبِهَا فِي الْمُصْحَفِ.
وَفِي الْقُرْآنِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، وَلَكِنَّ دَلَالَةَ الْإِطْلَاقِ اعْتَمَدَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي مَبَاحِثَ، وَهُوَ اعْتِمَادٌ جَيِّدٌ وَهُوَ هُنَا أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْذَارِ، الْمُطْلَقِ إذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الْمَأْمُورِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ فِي أَيِّ فَرْدٍ شَاءَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَفِي كُلِّهَا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَامِلُ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَالنَّصِيحَةِ لَهُمْ وَالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتْرُكُهُ فِي شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ وَلَا فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ وَلَا فِي مَكَان مِنْ الْأَمْكِنَةِ، وَهَكَذَا كَانَتْ حَالَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعْلَمُ أَيْضًا مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ مِنْ قَوْلِهِ {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: ٢] مُطْلَقَ الْإِنْذَارِ حَتَّى يُكْتَفَى بِإِنْذَارٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بَلْ أَرَادَ التَّشْمِيرَ وَالِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ.
فَهَذِهِ الْقَرَائِنُ تُفِيدُ الْأَمْرَ بِالْإِنْذَارِ لِكُلِّ مَنْ يُفِيدُ فِيهِ الْإِنْذَارُ، وَالْجِنُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ سُفَهَاءُ وَقَاسِطُونَ وَهُمْ مُكَلَّفُونَ فَإِذَا أُنْذِرُوا رَجَعُوا عَنْ ضَلَالِهِمْ فَلَا يَتْرُكُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءَهُمْ.
وَالْآيَةُ بِالْقَرَائِنِ الْمَذْكُورَةِ مُفِيدَةٌ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فَتَثْبُتُ الْبَعْثَةُ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
وَمِنْهَا كُلُّ آيَةٍ فِيهَا لَفْظُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَفْظُ الْكَافِرِينَ مِمَّا فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ صِفَتَانِ لِمَحْذُوفٍ وَالْمَوْصُوفُ الْمَحْذُوفُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ بَلْ الْمُكَلَّفِينَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا إنْسًا أَوْ جِنًّا.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا أَمْكَنَ الِاسْتِدْلَال بِمَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى مِنْ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] فَالْجِنُّ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ لَيْسُوا مُفْلِحِينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَتْ رِسَالَتُهُ فِي حَقِّهِمْ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: ١٢] وَكَقَوْلِهِ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: ١١] وَمِنْ الْجِنِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute