كَذَلِكَ.
وَلَوْ تَتَبَّعْنَا الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ هَذَا الْجِنْسِ جَاءَتْ كَثِيرَةً فَنَكْتَفِي بِالْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ عَاضِدَةً لَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَكْثِيرِ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ وَالْآيَتَيْنِ قَدْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ فَإِذَا كَثُرَتْ قَدْ تَتَرَقَّى إلَى حَدٍّ يَقْطَعُ بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهَا وَبَقِيَ الِاحْتِمَالُ وَالتَّأْوِيلُ عَنْهَا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فُضِّلْت عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَجَاءَنِي سُؤَالٌ مِنْ جِهَةِ هَذَا السَّائِلِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهِ نِسْبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَمَحِلُّ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُ «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِنْسِ خَاصَّةً تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يَجُوزُ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْعَالَمِينَ} [الفرقان: ١] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلْقِ النَّاسُ
رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي فَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا وَأُرْسِلْت إلَى النَّاسِ كَافَّةً» . قُلْنَا: لَوْ كَانَ هَذَا حَدِيثًا وَاحِدًا كُنَّا نَقُولُ: لَعَلَّ هَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ الرُّوَاةِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا حَدِيثَانِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ سِتُّ خِصَالٍ، وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَفِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُمَا فِي وَقْتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِي عِدَّةِ الْخِصَالِ وَفِي سُنَنِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ فَيَجِبُ إثْبَاتُهَا زِيَادَةً عَلَى عَدَدِ الْخِصَالِ وَفِي سُنَنِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ فَيَجِبُ إثْبَاتُهَا زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إلَى حَمْلِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، بَلْ هُمَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ، وَالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ، وَخَرَّجَ كُلٌّ مِنْ صَاحِبَيْ الصَّحِيحَيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرَ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيّ الْمَقْدِسِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَفِي لَفْظِهِ إلَى النَّاسِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْإِمَامَانِ. وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الْبُخَارِيِّ خَاصَّةً دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute