للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْجِنِّ مُطْلَقًا وَقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَرُبَّمَا يُوهِمُ بَعْضُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ أَصْلًا وَقَدْ ثَبَتَ اجْتِمَاعُهُ بِهِمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَثَبَتَ بُلُوغُ الْقُرْآنِ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُوَافِقِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ.

فَأَجَابَنِي السَّائِلُ مِنْ أَيْنَ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَقِصَّةُ الْجِنِّ أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُحَدِّثُونَ وَأَهْلُ السِّيَرِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِخْبَارِ إلَّا رَوَاهَا وَلَا مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إلَّا ذَكَرَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا كَانَتْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَا لَا أَشُكُّ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مَرَّتَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا أَشُكُّ فِي أَنَّهَا هَلْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مَرَّتَيْنِ خَاصَّةً.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّعَى الرِّسَالَةَ إلَيْهِمْ زَالَ الْإِشْكَالُ وَوَجَبَ الْإِيمَانُ.

أَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ «بُعِثْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» وَالْعَامُّ حُجَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ الثُّبُوتِ أَنْ يَكُونَ بِالصَّرِيحِ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالْعُمُومِ، وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ صَرِيحٌ مِنْ طَرِيقِ وَثِيمَةَ بْنِ مُوسَى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ثُبُوتَهُ وَذَكَرْنَا قَوْلَهُ " الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ " وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْعُمْدَةُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. أَقُولُ: كُلُّ خَيْرٍ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ يَكُونَ نَاصًّا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِدًا عَلَى لِسَانِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِإِحْدَى هَذِهِ الطُّرُقِ فَنَقُولُ: هُوَ حَاصِلٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْآيَاتِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالْحَدِيثِ الْعَامِّ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَتِهِ نَصًّا صَرِيحًا عَلَى عَدَمِ دَعْوَاهُ الرِّسَالَةَ إلَيْهِمْ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا صَرِيحًا وَيَثْبُتُ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِحَدِيثٍ عَامٍّ أَوْ بِاسْتِنْبَاطٍ مِنْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ أَمْ يَكْفِي الْإِيمَانُ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَا الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْإِيمَانُ الْإِجْمَالِيُّ لَا التَّفْصِيلِيُّ.

أَقُولُ: قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ، وَنَقُولُ هُنَا: إنَّ النَّاسَ عَلَى أَقْسَامٍ مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>