للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامِّيٌّ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْ خَطَرَتْ بِبَالِهِ وَمَا اعْتَقَدَ فِيهَا شَيْئًا لِجَهْلِهِ فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ بِذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُطْلِقَ بِشَهَادَتِهِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يُخَصِّصَهَا فَمَتَى خَصَّصَهَا فَقَالَ: إلَى الْإِنْسِ خَاصَّةً فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ.

وَمِنْهُمْ عَامِّيُّ اعْتَقَدَ فِيهَا خِلَافَ الْحَقِّ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَقْلِيدِ جَاهِلٍ. فَهَذَا: اعْتِقَادُهُ هَذَا خَطَأٌ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّزُوعُ عَنْهُ وَأَنْ يَسْأَلَ أَوْ يَبْحَثَ لِيَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ، وَهَذَا بِإِصْرَارِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ وَالْخَطَأِ عَاصٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ الدَّيْنِ الَّذِي لَا يُعْذَرُ بِالْخَطَأِ فِيهِ، وَالْفَقِيهُ إذَا اعْتَقَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ الْحَقِّ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَقْلِيدٍ لِجَاهِلٍ عَاصٍ أَيْضًا كَالْعَامِّيِّ بَلْ هُوَ عَامِّيٌّ فِيهَا، وَمَحِلُّ الْحُكْمِ فِيهَا بِالْعِصْيَانِ فَقَطْ، وَصِحَّةُ الْإِيمَانِ إذَا أَطْلَقَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ خَصَّصَا وَقَالَا: إلَى الْإِنْسِ فَقَطْ، فَأَخْشَى عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي بَيَّنَهُ الشَّارِعُ بِالشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ لَا الْمُقَيَّدَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَامِّيٍّ أَوْ فَقِيهٍ لَا عَنْ دَلِيلٍ بَلْ تَقْلِيدٍ مَحْضٍ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِعَاصٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ الْيَقِينِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّخْصِ عِلْمٌ بِأَدِلَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّقْلِيدِ فِيهَا كَفَاهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ عَلَى جِهَةِ التَّقْلِيدِ جَازِمًا أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ فَإِنَّ التَّقْلِيدَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ الْمُطَابِقِ لَا لِمُوجَبٍ وَبَيْنَ قَبُولِ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ سَوَاءً أَكَانَ مَعَ الْجَزْمِ بِهِ أَمْ لَا.

فَهَذَا الثَّانِي كَافٍ هُنَا وَلَا يَكْفِي فِيمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَالْأَوَّلُ يَكْفِي لِأَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَغْلَطُونَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي فَتْوَى.

وَقُلْت: إنَّ النَّاسَ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ: عُلْيَا وَهُمْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ التَّفْصِيلِيِّ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الِاسْتِدْلَالِ الْإِجْمَالِيِّ وَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ إيمَانِهِمْ.

وَوُسْطَى وَهُمْ أَهْلُ الْعَقِيدَةِ الْمُصَمِّمُونَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ بِكُفْرِهِمْ إلَّا أَبُو هَاشِمٍ، وَدُنْيَا وَهُمْ الْمُقَلِّدُونَ بِغَيْرِ تَصْمِيمٍ وَلَمْ يَقُلْ بِصِحَّةِ إيمَانِهِمْ إلَّا شُذُوذٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ عَالِمًا وَقَدْ وَصَلَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ وَلَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا فَهَذَا الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْعِلْمُ بِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهِ قَطْعًا لِعِلْمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>