للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَدِلَّتِهَا وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ فِيهِ قَطْعًا، وَأَمَّا الْإِيمَانُ الْإِجْمَالِيُّ فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ يُكْتَفَى بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْعَالِمِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ فِي حَقِّ الْعَالِمِ، وَفَرْضُ ذَلِكَ عُسْرٌ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ مَتَى أَحَاطَ عِلْمُهُ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَوَجْهِ دَلَالَتِهَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْعِلْمِ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ كَانَ الشَّخْصُ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى النَّظَرِ وَتَمَكُّنٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالنَّظَرِ وَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَحْضِ التَّقْلِيدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَعْصِي بِذَلِكَ وَيَكْفِيهِ التَّقْلِيدُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَلِّدْ وَلَكِنْ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَعْتَقِدْ فِيهَا شَيْئًا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إدْرَاكِ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْثُومٍ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ غَيْرَ الْحَقِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِتَقْصِيرِهِ، وَالْإِقْدَامُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ بِخِلَافِ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا يَجِبُ كَمَا أَتَى فِي الْفُرُوعِ.

نَقُولُ: مَنْ أَقْدَمَ عَلَى فِعْلٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِحُكْمِهِ يَكُونُ مَأْثُومًا وَمَنْ تَوَقَّفَ عَنْهُ لَا يَكُونُ مَأْثُومًا.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: وَهَلْ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: ٣١]- الْآيَةَ وَبِسُورَةِ الْجِنِّ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ - تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١٠٧ - ١] {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] .

قَالَ: وَالْجِنُّ يُسَمَّوْنَ نَاسًا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» وَأَنَّهُ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنِّ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ كَمَا تَحَدَّى الْإِنْسَ بِهِ وَأَنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ كُلَّ طَعَامٍ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَرَّمَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ مِنْ أَجْلِهِمْ وَإِنَّ الرُّسُلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُونُوا إلَّا مِنْ الْإِنْسِ.

فَإِذَا ثَبَتَ إرْسَالُ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا إلَيْهِمْ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَلِكَ مِمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ كَمَا خَفِيَتْ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ عَلَى آحَادِ الصَّحَابَةِ هَلْ يَنْتَهِضُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْمَطْلُوبِ.

أَقُولُ: أَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْجِنِّ {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: ٣١] فَاسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ سُورَةُ الْجِنِّ، وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>