للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْزِلْ اللَّهُ أَوْلَى نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ إلَى الْجِنِّ إلَّا مِنْ الْإِنْسِ فَمُجَرَّدُ دَعْوَى وقَوْله تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ مِنْهُمْ، وَاحْتِمَالُ غَيْرِ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ أَقُولُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٍ خِلَافٌ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ إلَى مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَلَا أَعْرِفُ ذَلِكَ نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ إلَّا عَنْهُ لَكِنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَهُ قَالَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ صَرِيحًا عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ثنا ابْنُ حُمَيْدٍ ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سُئِلَ الضَّحَّاكُ عَنْ الْجِنِّ هَلْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الأنعام: ١٣٠]- الْآيَةَ يَعْنِي بِذَلِكَ رُسُلًا مِنْ الْإِنْسِ وَرُسُلًا مِنْ الْجِنِّ؟ قَالُوا: بَلَى، ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ الْجِنِّ رُسُلًا أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ، قَالَ: وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْجِنِّ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْإِنْسِ جَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْإِنْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجِنِّ قَالُوا: وَفِي فَسَادِ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْخِطَابِ دُونَ غَيْرِهِ.

هَذَا جُمْلَةُ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي مَذْهَبِ الضَّحَّاكِ، وَالْأَكْثَرُونَ خَالَفُوا الضَّحَّاكَ وَقَالُوا: لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنِّ قَطُّ رَسُولٌ وَلَمْ تَكُنْ رُسُلٌ إلَّا مِنْ الْإِنْسِ.

نُقِلَ مَعْنَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْكَلْبِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْوَاحِدِيِّ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ لِلضَّحَّاكِ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَأَوَّلُونَهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ رُسُلَ الْإِنْسِ رُسُلٌ مِنْ اللَّهِ إلَيْهِمْ وَرُسُلَ الْجِنِّ قَوْمٌ مِنْ الْجِنِّ لَيْسُوا رُسُلًا عَنْ اللَّهِ وَلَكِنْ بَثَّهُمْ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَسَمِعُوا كَلَامَ رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَجَاءُوا إلَى قَوْمِهِمْ مِنْ الْجِنِّ فَأَخْبَرُوهُمْ كَمَا اتَّفَقَ لِلَّذِينَ صَرَفَهُمْ اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ وَوَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ فَهُمْ رُسُلٌ عَنْ الرُّسُلِ لَا رُسُلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسَمَّوْنَ نُذُرًا وَيَجُوزُ تَسْمِيَتُهُمْ رُسُلًا لِتَسْمِيَةِ رُسُلِ عِيسَى رُسُلًا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: ١٤] وَجَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>