للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنْ مُمَارَسَتِهِ الشَّرْعَ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَإِنْ كَانَتْ كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ أَوْجَبَتْ لِلْعُلَمَاءِ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ عُمُومُ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجِنِّ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُمَارَسَتِنَا لِأَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَخْبَارِ الْأُمَّةِ.

وَأَمَّا الْعَامِّيُّ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ فَإِنْ قَيَّدَ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ إلَى الْإِنْسِ خَاصَّةً خَشِيت عَلَيْهِ الْكُفْرَ كَمَا قَدَّمْته فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يَنْتَبِهْ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِعُمُومِ الدَّعْوَى لِلْجِنِّ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَا أَرَى الْحُكْمَ بِكُفْرِهِ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ عَلَى كَلَامِهِ فِي الدَّيْنِ بِالْجَهْلِ وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَتَعَلَّمَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِتَزُولَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ الْإِنْكَارَ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إنْكَارٌ وَلَا تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَلَا خَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِتَعَلُّمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْضَ عَيْنٍ وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَاعْتِقَادُ الْحَقِّ أَوْ صَرْفُ نَفْسِهِ عَنْ اعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَيَشْهَدُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ مُطْلَقَةً.

وَقَوْلُ السَّائِلِ هُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَطْعُ أَوْ الظَّنُّ. حَوَابُّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُكَلَّفُ بِذَلِكَ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا وَالْعَالِمُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْقَطْعُ.

وَقَوْلُهُ وَهَلْ تَثْبُتُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الْأُصُولِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؟ جَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ قُلْنَا: إنَّهَا قَطْعِيَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ فِيهَا غَيْرَ لَازِمٍ لِلْعَامِّيِّ فَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِالْأَحَادِ، وَأَمَّا الْعَالِمُ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُ مُتَوَاتِرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الثَّابِتَةِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي كِتَابِهِ الشِّفَا لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ إطْنَابِهِ وَإِسْهَابِهِ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعْجِزَاتِهِ.

أَقُولُ: هَذَا لَا تَعَلُّقَ فِيهِ وَلَيْسَ كِتَابٌ حَوَى الْعِلْمَ كُلَّهُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَخَصَائِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعْجِزَاتُهُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ وَلَوْ أَسْهَبَ الْخَلْقُ فِيهَا وَأَطْنَبُوا لَكَانَ مَا فَاتَهُمْ مِنْهَا أَكْثَرَ، وَيَنْبَغِي تَجَنُّبُ لَفْظِ الْإِسْهَابِ وَالْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا الْإِكْثَارُ وَالْمُبَالَغَةُ وَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْبَشَرِ مُقَصِّرٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ مُسْهِبٌ أَوْ مُطْنِبٌ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَاكُمِهِمْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْسَالُهُ إلَيْهِمْ مَا لَمْ يُنَصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>