للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ.

أَقُولُ قَدْ سَبَقَ بَعْضُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مَتَى تَحَاكَمُوا إلَيْهِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إمَّا بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ وَهُوَ الْمُدَّعَى وَإِمَّا بِمُوَافَقَةِ رِسَالَةِ غَيْرِهِ إلَيْهِمْ كَمَا يَدَّعِيهِ السَّائِلُ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَافِقًا لِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَثَبَتَتْ الرِّسَالَةُ بِذَلِكَ إلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍّ.

وَرَوَى الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الْجِنَّ تَدَارَأَتْ فِي قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَهُمْ فَتَحَاكَمُوا إلَيَّ فَقَضَيْت بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ فَبَعِيدٌ مَعَ جَزْمِهِ بِذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ.

أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مُرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَالْمُسْتَدِلُّ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: ثُمَّ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا إلَى الْجِنِّ فَهَلْ هُمْ مُمْتَازُونَ عَنَّا بِشَرِيعَةٍ وَعِبَادَاتٍ أَوْ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا الْحُكْمُ فِي إخْفَاءِ شَرِيعَتِهِمْ عَنْ الْأُمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْوَالَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَأَذْكَارَهُمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَهُمْ أَشْرَفُ وَأَرْفَعُ مِنْهُمْ.

أَقُولُ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَمْتَازُوا بِشَرِيعَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالطَّهَارَةُ كَمَا هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا لَا يَخْتَلِفُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّهِمْ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ فِيهِمْ شَبَهٌ أَوْ لَا يَعْلَمُوا أَنَّهُ هَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْإِمَامُ لِلْجَمِيعِ وَأَحْكَامُهُ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ بَعْضَ الْفُرُوعِ لَا تَلْزَمُهُمْ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى مِنْهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ وَالْمَعَادِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مَاذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْكَالِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ يَمْتَازُونَ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ يُخْتَصُّونَ بِهَا عَنْ الْإِنْسِ فَمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وَعَدَمُ إعْلَامِنَا بِذَلِكَ لِعَدَمِ حَاجَتِنَا إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ إخْفَاءٌ حَتَّى تَطْلُبَ لِحِكْمَةٍ فِيهِ وَبَيَانُ أَحْوَالِ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ أَشْرَفُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَلْزَمُ مِنْهُ بَيَانُ أَحْوَالِ الْجِنِّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَتَبَيَّنْ كُلُّهَا وَإِنَّمَا بُيِّنَ بَعْضُهَا مِمَّا يَحْصُلُ بِبَيَانِهِ اعْتِبَارٌ وَفَائِدَةٌ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>