للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً هَلْ التَّخْصِيصُ بِاعْتِبَارِ مَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُخْتَصَّةِ بِأُمَّةٍ دُونَ أُخْرَى لِاتِّفَاقِهِمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَمْ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى لَا يَكُونَ الرَّسُولُ إلَى طَائِفَةٍ خَاصَّةٍ مُبْدِيهِمَا سِوَاهُمْ وَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ الدُّخُولُ فِي دَعَوْتِهِ.

أَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لَنَا بِاعْتِبَارِ مَا وَصَلَ بَحْثِي إلَيْهِ وَمَا فَهِمْته مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ - إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَا صَارِفَ لَهُ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي عُلُوِّ شَأْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُقَابِلَةَ بَيْنَ بَعْثِهِ وَبَعْثِهِمْ لَا بَيْنَ شَرِيعَتِهِ وَشَرِيعَتِهِمْ، وَالِاحْتِمَالُ فِي الثَّانِي لَا فِي الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مَعَ كَوْنِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرِيعَتُهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَأَجَابُوا بِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا كَانَ رَسُولًا إلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِالْإِيمَانِ مَعَ اسْتِعْبَادِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: ٢٤] الْآيَتَيْنِ كَذَلِكَ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء: ١٠]- الْآيَتَيْنِ.

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى دَعْوَةِ مُوسَى وَهَارُونَ لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمُهُ بِالْأُصُولِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ١٧] لِأَنَّهُ كَانَ مُكَلَّفًا بِالْأُصُولِ وَبِهَذَا الْفَرْعِ كُلُّ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى شَرِيعَةِ مُوسَى وَإِنْ كَانَ قَدْ كَانَ مُكَلَّفًا قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ فِيمَا مَضَى وَتَقَدَّمَ تَكْلِيفُهُ.

وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُوسَى رَسُولٌ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِلَى الْقِبْطِ وَكَذَا هُوَ، وَتَتَعَلَّقُ شَرِيعَتُهُ أَيْضًا بِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي شَرِيعَتِهِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُزُولِ التَّوْرَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَمِنْ دَانَ بِدِينِهِمْ خَاصَّةً دُونَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَنْ مَاتَ مِنْ الْكُفَّارِ فِي أَوَّلِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَجَدَّدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحْكَامٌ أُخْرَى نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ النَّاسَ قَالُوا فِي الطُّوفَانِ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا قَوْمُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِذَلِكَ عُوقِبُوا.

وَرُبَّمَا مَرَّ بِي مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ غَرَقِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالطُّوفَانِ وَغَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِالْإِيمَانِ بِدَعْوَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الرُّسُلِ لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الرُّسُلِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>