أَنَّ سِيبَوَيْهِ نَظَّرَهَا بِاسْطَاعَ وَلَعَلَّ لِسِيبَوَيْهِ كَلَامًا آخَرَ غَيْرَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الَّذِي حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ غَيْرُ مَا حَكَيْنَاهُ.
وَأَمَّا اللُّغَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ أَهَرَاقَ بِالْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ فَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ: أَرَاقَ الْمَاءَ يُرِيقُهُ وَهَرَاقَهُ يُهْرِيقُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ هِرَاقَةٍ وَيُقَالُ فِيهِ: أَهْرَقْتُ الْمَاءَ أُهْرِقُهُ فَتَجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ ابْنِ الْأَثِيرِ إنْ كَانَ عَنْ ثَبْتٍ يَلْزَمُ مِنْهُ هَذِهِ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْهَاءِ الْمُبْدَلَةِ مِنْهَا وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَأَمَّا السَّاكِنَةُ فَلَيْسَتْ بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَةِ.
وَيُشِيرُ إلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ مَاحَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّهُمْ أَبْدَلُوا مِنْ الْهَمْزَةِ الْهَاءَ ثُمَّ أُلْزِمَتْ ثُمَّ أُدْخِلَتْ الْأَلِفُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَلِفَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُتَحَرِّكَةٌ وَإِنْ كَانَ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ لَمْ يُورِدَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
فَهَذِهِ خَمْسُ لُغَاتٍ قَدْ تَحَرَّرَتْ فِي الْفِعْلِ الْمَاضِي وَجَمِيعُ تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ يَأْتِي فِيهِ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا فَنَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الْمَبْنِيُّ لِلْفَاعِلِ فَعَلَى لُغَةِ أَرَاقَ يُرِيقُ وَأَصْلُهُ يَأْرِيقُ ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي هَذَا أَنْ يَأْتِيَ مُضَارِعُهُ يُهَرِيق بِفَتْحِ الْهَاءِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُصْفُورٍ لَمَّا ذَكَرَ إبْدَالَ الْهَاءِ مِنْ الْهَمْزَةِ ذَكَرَ فِي الْمَاضِي وَفِيمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ مِنْ الْمُضَارِعِ وَإِنْ كَانَ مَاضِيهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَعَلَى لُغَةِ هَرَاقَ يُهَرِيق بِفَتْحِ الْهَاءِ لَيْسَ إلَّا، وَلَا يَجُوزُ إسْكَانُهَا وَلَا حَذْفُهَا، وَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ إسْكَانُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِثْلَ دَالِ دَحْرَجَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ حَذْفُهَا لِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَمَّا جَاءَ حَرْفٌ أَخَفُّ مِنْ الْهَمْزَةِ لَمْ يُحْذَفْ فِي شَيْءٍ وَلَزِمَ لُزُومَ الْأَلِفِ فِي ضَارِبٍ.
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ إذَا أُبْدِلَتْ هَاءً فِي ذَلِكَ لَمْ تُحْذَفْ شَيْخُنَا أَبُو حَيَّانَ فِي كِتَابِ ارْتِشَافِ الضَّرَبِ، وَعَلَى اللُّغَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ أَهْرَاقَ يُهْرِيقُ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ فِي الْمُضَارِعِ كَمَا هُوَ فِي الْمَاضِي، وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْهُ: مِهْرَاقٌ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَمِهَرَاقٌ أَيْضًا بِالتَّحْرِيكِ، قَالَ: وَهَذَا شَاذٌّ مِثْلُهُ.
وَعَلَى اللُّغَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ أَهْرَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute