للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَرَابَاتِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْأَبُ وَالِابْنُ لِأَنَّهُمَا أَعْلَى مِنْ أَنْ يُطْلَقَ فِيهِمَا لَفْظُ الْقَرَابَةِ لِمَا لَهُمَا مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ الْمَزِيدَ عَلَى بَقِيَّةِ الْقَرَابَاتِ فَيُقَالُ: إنَّهُمَا أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ يَسْتَدْعِي الْمُشَارَكَةَ فَلَوْلَا مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْقَرَابَةِ فِيهِمَا لَمَا صَدَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إطْلَاقُ الْقَرَابَةِ عَلَيْهِمَا لِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْقَرَابَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا مَزِيدَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قُلْت اللَّفْظُ إنَّمَا وُضِعَ لِمُطْلَقِ الْحَقِيقَةِ لَا لِلْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ فَتَقْيِيدُكُمْ إيَّاهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِالْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ أَيْنَ؟

قُلْت: قَدْ أَوْرَدَ عَلَى ابْنَيْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي حَرَّكَنِي لِمَا كَتَبْت وَأَجَبْتُهُ بِإِطْلَاقِ الْمُتَكَلِّمِ فَصَارَ قَيْدًا فِي اللَّفْظِ فَإِنْ قُلْت: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ فَهَلْ تَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ. قُلْت: هُوَ قَرِينَةٌ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْقَرَائِنِ الْمَلْفُوظِ بِهَا وَالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَهِيَ مِنْهُ صَادِرَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ كَلَامِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامًا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامًا وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ مَعْنَاهُ بِالتَّقْيِيدِ فَإِنَّك إذَا قُلْت: قَامَ النَّاسُ كَانَ كَلَامًا يَقْتَضِي إخْبَارَك بِقِيَامِ النَّاسِ جَمِيعِهِمْ، فَإِذَا قُلْت: إنْ قَامَ النَّاسُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامًا وَلَكِنْ خَرَجَ عَنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِ جَمِيعِهِمْ إلَى قِيَامِ مَنْ عَدَا زَيْدًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ لِإِفَادَةِ قَامَ النَّاسُ لِلْإِخْبَارِ بِقِيَامِ جَمِيعِهِمْ شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَبْتَدِئَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَخْتِمَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ، وَلَهُ شَرْطٌ ثَالِثٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ قَصْدٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِكَلَامِ السَّاهِي وَالنَّائِمِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَعَلَى السَّامِعِ التَّنَبُّهُ لَهَا.

فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ لَنَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ وَاللَّفْظُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْإِفَادَةِ؟ لِأَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَهُ لِذَلِكَ.

قُلْت: وَضْعُ الْوَاضِعِ لَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ مُهَيَّئًا لَأَنْ يُفِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَالْمُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ وَاللَّفْظُ دَلَالَةُ الْمَوْضُوعَةِ لِذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ سَمِعْنَا " قَامَ النَّاسُ " وَلَمْ نَعْلَمْ مَنْ قَائِلُهُ هَلْ قَصَدَهُ أَوْ لَا " وَهَلْ ابْتَدَأَهُ أَوْ خَتَمَهُ بِمَا يُغَيِّرُهُ أَوْ لَا، هَلْ لَنَا أَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: " قَامَ النَّاسُ " أَوْ لَا. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ بِمَا يُغَيِّرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعُمْدَةَ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظُ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ الْقَدِيمَ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ حُكْمُهُ. وَاللَّفْظُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعِلْمَ بِالْقَصْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ وَالْعِلْمُ بِعَدَمِ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْخَتْمِ بِمَا يُخَالِفُهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُمَا مَانِعَانِ وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَا يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>