للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالثَّلَاثَةِ وَمَقْصُودُنَا بِهَذَا أَنْ يُجْعَلَ سُكُوتُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى كَلَامِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ اللَّفْظِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ.

فَإِنْ قُلْت هَلْ يُشْبِهُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَقَوْلِ سُفْيَانَ كَانَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ فَنَسِيَتْهُ، وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ. قُلْت: نَعَمْ يُشْبِهُهُ مِنْ وَجْهٍ وَيُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ؛ وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَحَقَّقْنَا مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ: إنَّهُ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ يُقَوِّي احْتِمَالَ تَغْيِيرِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ، نَعَمْ لَوْ سَمِعْنَا كَلَامَ مُتَكَلِّمٍ، وَفِي آخِرِهِ كَلَامٌ خَفِيَ عَلَيْنَا فَهَذَا نَظِيرُهُ؛ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ بِمَا سَمِعْنَاهُ، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْخَفِيَّ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْنَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمٍ فَإِنْ قُلْت: أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ إنَّ " قَامَ النَّاسُ " دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ النَّاسِ؟ قُلْت " مُجَرَّدُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا قَبِلْنَاهُ فِيهِ تَسَمُّحٌ وَإِذَا أَنْكَرْنَاهُ قَدْ لَا يَحْتَمِلُهُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ كَلَامَنَا وَاَلَّذِي نَقُولُهُ: إنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ.

فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَلْتَفِتُ هَذَا عَلَى مَا قِيلَ فِي حَدِّ دَلَالَةِ اللَّفْظِ؟ قُلْت: نَعَمْ وَقَدْ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا أَنَّهَا كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ فَهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِوَضْعِهِ لَهُ؛ وَهَذِهِ دَلَالَةٌ بِالْقُوَّةِ.

وَأَمَّا الدَّلَالَةُ بِالْفِعْلِ فَهِيَ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي بِالْقُوَّةِ أَيْضًا أُخِذَ فِيهِ هَذَا الْإِطْلَاقُ، وَالْإِطْلَاقُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ.

وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِطْلَاقِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالدَّلَالَةُ قَدْ تُنْسَبُ إلَى اللَّفْظِ وَهِيَ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى كَمَا قُلْنَاهُ وَقَدْ تُنْسَبُ إلَى الْمُتَكَلِّمِ وَهِيَ إفَادَتُهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: هِيَ فَهْمُ الْمَعْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إفْهَامُ الْمَعْنَى، فَرَجَعَ إلَى مَا قُلْنَاهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَهْمِ وَالْإِفْهَامِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْفَهْمَ صِفَةُ السَّامِعِ وَالْإِفْهَامَ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>