للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَاهُ أَنْ يُكَبِّرَ فَانْصَرَفَ وَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا تَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ» هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ عَلَى حُصُولِ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي خَلْفَ الْمُحْدِثِ بَلْ صِحَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَمَذْهَبُنَا صِحَّتُهَا وَالرُّويَانِيُّ اسْتَنَدَ فِي صِحَّتِهَا إلَى الْحَدِيثِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ لَا يَسْتَمِرُّ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَمَاعَةِ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ جَمَاعَةٍ بِلَا إمَامٍ نَعَمْ إنْ قِيلَ يَحْصُلُ لَهُمْ أَجْرٌ لِقَصْدِهِمْ فَنَعَمْ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ الْمَأْمُومُونَ قَدْ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَرَى صِحَّةَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ خُرُوجٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

فَالْإِمَامُ إنْ جَدَّدَ النِّيَّةَ وَكَبَّرَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمَأْمُومُونَ فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا تَحْصُلَ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ الْأُولَى مَا صَحَّتْ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَتَكْبِيرُهُ الثَّانِي لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ حَتَّى يُنْشِئُوا إلَيْهِ اقْتِدَاءً فَتَفُوتُهُمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي خَلْفَ الْمُحْدِثِ فَيَكْفِي ذَلِكَ إنْ جُعِلَ الْإِمَامُ بِإِحْرَامِهِ ثَانِيًا كَالْخَلِيفَةِ وَفِيهِ فِقْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ تَابِعٌ وَالْإِمَامُ بِإِحْرَامِهِ لَيْسَ تَابِعًا لِنَفْسِهِ وَلَا إمَامَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إمَامَةٍ مُنْعَقِدَةٍ حَتَّى يَجْعَلَ الْمَأْمُومُونَ حَائِزِينَ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ إمَامٌ جَدِيدٌ ظَنُّوهُ إمَامًا فَمِنْ هَذَا النَّظَرِ نَتَوَقَّفُ فِي حُصُولِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ سِرًّا وَإِنْ كَبَّرَ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَهُ وَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى مَا يَفْعَلُونَ فَقَدْ يَتَخَبَّطُونَ لِأَنَّ فِيهِمْ عَوَامَّ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ وَإِنْ أَرْشَدَهُمْ قَبْلَ تَكْبِيرِهِ إلَّا أَنَّهُمْ يُنْشِئُونَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ فِيهِمْ الْخِلَافُ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَالْحَاصِلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَلَاتُهُمْ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ: بَاطِلَةٌ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: صَحِيحَةٌ وَعِنْدَهُ خِلَافٌ أَيْضًا فِي إنْشَاءِ الْقُدْوَةِ وَفِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَفِي كَوْنِهَا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، وَإِنْ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَحْرَمُوا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةً جَمَاعَةً عِنْدَ الْجَمْعِ وَكَانَ مَا فَعَلُوهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِمَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَاصِدِينَ بِذَلِكَ تَحْصِيلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْسَنِ التَّقْلِيدِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّرَخُّصُ بَلْ الِاحْتِيَاطُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ أَمْرَ هَذَا الْإِمَامِ لَهُمْ بِتَبْطِيلِ نِيَّتِهِمْ لَيْسَ حَرَامًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا عِنْدِي إذَا قَصَدَ بِهِ مَا قُلْتُهُ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا لَمْ يَغْفُلْ عَنْ التَّقْلِيدِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>