قَلِيلًا أَوْ تَيَاسَرَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسَوِّغُ ذَلِكَ.
وَسَمِعْت شَيْخِي حَكَى فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَنْ قَالَ يَتَيَامَنُ أَوْ يَتَيَاسَرُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ حَقٌّ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ إلَى بَصِيرَةٍ إذَا دَخَلَ إلَى بَلْدَةٍ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي صَوَابِ الْقِبْلَةِ فَقَدْ يَلُوحُ لَهُ أَنَّ التَّيَامُنَ وَجْهُ الصَّوَابِ وَهَذَا إنْ ارْتَكَبَهُ مُرْتَكِبٌ فَفِيهِ تَعَدٍّ ظَاهِرٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ مَعَ اعْتِقَادِ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يَتَبَيَّنُ بِأَمْرٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قُلْت: اسْتِبْعَادُ الْإِمَامِ فِيهِ نَظَرٌ قَدْ يُقَالُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَاعْتِمَادُ الْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْبِلَادِ تَقْلِيدٌ فَلَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يُقَالُ بِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ التَّقْلِيدِ هُنَا وَالتَّقْلِيدِ فِي غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا التَّقْلِيدِ وَلَا يُكَلَّفُ الِاجْتِهَادَ وَهَذَا مَا لَمْ يَجْتَهِدْ أَمَّا بَعْدَ اجْتِهَادِهِ وَظُهُورِ الْحَقِّ لَهُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا فَلَا يُسَوَّغُ التَّقْلِيدُ أَصْلًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ مِحْرَابٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ مَطْعَنٌ مَا أَحْسَنَهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَشْتَهِرَ فِيهِ مَطْعَنٌ فَإِذَا جِئْنَا إلَى بَلَدٍ فِيهِ مِحْرَابٌ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ أَوْ اُشْتُهِرَ فِيهِ مَطْعَنٌ وَجَبَ عَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذِكْرِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ: وَقَدْ أَلَّفَ ذَوُو الْبَصَائِرِ فِيهِ كُتُبًا فَلْتُطْلَبْ أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ مِنْ كُتُبِهَا.
قُلْت: فَهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلُّهُ مِنْ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ قَدْ عُلِمَ يُحِيلُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَلَى كُتُبِ أَهْلِهَا فَلَا يَسْتَحْيِ مَنْ يُنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا بِجَهْلِهِ وَعَدَمِ اشْتِغَالِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنَّ الْفِقْهَ يُخَالِفُهَا وَمَا يَسْتَحْيِ عَامِّيٌّ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الْعَالِمِينَ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنْ ظَنُّهُ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ دُونَهُمْ وَإِمَّا يَسْتَحْيِ الْفَرِيقَانِ مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَمَنْ نِسْبَتُهُمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَدْخُلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَضْلًا عَنْ مَسْجِدِهَا وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَى الْجَابِيَةِ.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا كَأَبِي عُبَيْدَةَ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُمْ فَكَانُوا قَبْلَ فَتْحِهَا فِي مَرَاكِزِهِمْ خَارِجَهَا يُصَلُّونَ هُنَاكَ وَبَعْدَ فَتْحِهَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَيْنَ كَانُوا وَهَلْ اتَّفَقَ لَهُمْ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِهَا أَوْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَضَارِبِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صَلَّوْا إلَى الْجِدَارِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ أَوْ تَيَاسَرُوا قَلِيلًا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَلَّى بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْوَةِ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ فَلَا عَلَيْهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْجِدَارِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْوَاجِبَ الْعَيْنَ وَلَا يَدْرِي مَا كَانَ يَصْنَعُ هَلْ مَالَ قَلِيلًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ نَقْلُهُ حَتَّى يَسْتَدِلَّ بِعَدَمِ نَقْلِهِ عَلَى عَدَمِهِ فَمَنْ يَتْرُكُ الْأَدِلَّةَ الْمُحَقَّقَةَ وَكَلَامَ الْعُلَمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute