للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأُمُورِ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يَعْبَأَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَطْلُوبَ الْمُجْتَهِدِ جِهَةُ الْكَعْبَةِ أَوْ عَيْنُهَا وَقَالَ: لَعَلَّ الْغَرَضَ مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ فِي تَصَوُّرِ دَرْكِ الْعَيْنِ الْخَطَأِ وَفِي الْجِهَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُتَصَوَّرُ كَالْجِهَتَيْنِ وَالثَّانِي لَا فَإِنْ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجِهَةِ ثُمَّ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ جِهَاتِ الْكَعْبَةِ أَوْ جِهَاتِ شَخْصِ الْمُصَلِّي فِي مَوْقِفِهِ أَرْبَعٌ فَقَدْ بَعُدَ عَنْ التَّحْصِيلِ وَكُلُّ مَيْلٍ بِفَرْضٍ فِي مَوْقِفِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ مَنْ اقْتَرَبَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَصِيرُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا بِأَدْنَى مَيْلٍ وَفِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ يَخْتَلِفُ اسْمُ الِاسْتِقْبَالِ.

فَالصَّوَابُ فِي الْبُعْدِ الَّذِي لَا يَقْطَعُ الْمَاهِرُ بِالْخُرُوجِ بِهِ عَنْ اسْمِ الِاسْتِقْبَالِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْجِهَةِ وَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ هُوَ جِهَةٌ أُخْرَى غَيْرُ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبَيْنَ جُزْأَيْ الْخُرُوجِ بَعْضُ الْوَقَفَاتِ أَقْرَبُ إلَى السَّدَادِ مِنْ بَعْضٍ فَهَلْ يَجِبُ طَلَبُ الْأَسَدِّ؟

عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَالْوَاقِفِ فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ؛ وَالثَّانِي نَعَمْ لِأَنَّ الَّذِي فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ قَاطِعٌ بِاسْمِ الِاسْتِقْبَالِ. انْتَهَى مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَاقِفِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: لَوْ اسْتَطَالَ الصَّفُّ وَلَمْ يَسْتَدِيرُوا فَصَلَاةُ الْخَارِجِينَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْقِبْلَةِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ تَرَاخَى الصَّفُّ الطَّوِيلُ وَوَقَفُوا فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الْمُتَّبِعَ اسْمُ الِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَرَامَ الصَّغِيرَ كُلَّمَا ازْدَادَ الْقَوْمُ عَنْهُ بُعْدًا ازْدَادُوا لَهُ مُحَاذَاةً كَغَرَضِ الرُّمَاةِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَاقِفُ فِي الْمَدِينَةِ يَنْزِلُ مِحْرَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بِالِاجْتِهَادِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ الْمَحَارِيبُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ حَاذِيهِمْ يَتَعَيَّنُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهَا وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ إذَا نَشَأَ فِيهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْجِهَةِ فَهَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ؟ أَمَّا فِي مِحْرَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَصَحُّهُمَا - وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ سِوَاهُ - يَجُوزُ وَيُقَالُ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ تَيَاسَرُوا يَا أَهْلَ مَرْوَ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ قِبْلَةَ الْكُوفَةِ يَقِينًا وَلَمْ يَجْعَلْ قِبْلَةَ الْبَصْرَةِ يَقِينًا، وَقَضَيْت جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْبَصْرَةِ دُونَ الْكُوفَةِ، وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ الْقَزْوِينِيِّ مِثْلُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى فِي الْكُوفَةِ مَعَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَا اجْتِهَادَ مَعَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقِبْلَةُ الْبَصْرَةِ نَصَبَهَا عُتْبَةُ بْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>