للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَزْوَانَ وَالصَّوَابُ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ أَقْرَبُ وَقَالَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا إنْ عَنَى بِهِ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ فَبَعِيدٌ بَلْ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مَنَعَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَفِي الْمَحَارِيبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا وَإِنْ عَنَى فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَمَا فَعَلَهُ الرُّويَانِيُّ فَبَعِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَدْ دَخَلَهَا الصَّحَابَةُ وَسَكَنُوهَا وَصَلَّوْا إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْيَقِينُ فَكَذَلِكَ.

قُلْت: هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَدِمَشْقُ مِثْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بَلْ الْكُوفَةُ أَعْلَى مِنْهَا لِأَنَّ عَلِيًّا دَخَلَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ دِمَشْقَ مِثْلُ عَلِيٍّ فَلَوْ سَلِمَتْ قِبْلَةُ دِمَشْقَ عَنْ الْكَلَامِ لَكَانَ الْأَصَحُّ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِيهَا بِالتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَكَيْفَ وَلَمْ تَسْلَمْ لِأَنَّ الْفُضَلَاءَ مَا بَرِحُوا يَقُولُونَ فِيهَا:

إنَّهَا مُنْحَرِفَةٌ إلَى الْغَرْبِ فَيَجِبُ التَّيَاسُرُ فِيهَا وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمَحَارِيبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا احْتِرَازٌ كَالِاحْتِرَازِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ مِحْرَابِ دِمَشْقَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَيْهِ. سَمِعْت قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرَ بْنَ جَمَاعَةَ وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِهَذَا الْعِلْمِ يَقُولُ: الدَّاخِلُ مِنْ بَابِ الْغَطَفَانِيِّينَ يَقِفُ عَلَى الْبَابِ وَيَسْتَقْبِلُ مِحْرَابَ الصَّحَابَةِ يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.

وَقَدْ انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ حَيْثُ تَكُونُ الْمَحَارِيبُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا غَيْرَ مَطْعُونٍ فِيهَا أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ قَطْعًا بَلْ يَجِبُ لِأَنَّ الطَّعْنَ وَعَدَمَ الِاتِّفَاقِ أَسْقَطَ التَّعَبُّدَ بِاعْتِمَادِهَا فِيمَا عَدَا الْجِهَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَيْنِ أَمَّا الْمُكْتَفَوْنَ بِالْجِهَةِ فَقَدْ يُقَالُ عِنْدَهُمْ لَا حَاجَةَ إلَى الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجِبُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ طَلَبًا لِلْأَسَدِّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَاهُ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَعُمْدَةَ الْمَذْهَبِ فَمَنْ الَّذِي يَقُولُ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: وَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْقِبْلَةَ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ شِمَالِهَا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ أَنَّ الْخَطَأَ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ قَطْعًا.

قُلْت: وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْلَاهُ لَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ اعْتِرَاضٌ فَإِنَّهُ مَتَى تَيَقَّنَ الْخَطَأَ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا فِي الْأَصَحِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجِهَةِ أَوْ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>