للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ الْبُعْدِ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِ أَمَّا فِي الْجِهَةِ فَيُمْكِنُ فَكَانَ الْيَقِينُ وَعَدَمُهُ هُوَ مَنْشَأُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى شَارِعٍ يَكْثُرُ بِهِ الْمَارَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِي الدَّلَالَةِ وَيَعْمَلُ عَلَى مُوجِبِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ: الْغَائِبُ عَنْ الْبَيْتِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ طَلَبُ الْجِهَةِ.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْجُرْجَانِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْضُهُ الْعَيْنُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلْنَكْتَفِ بِمَا حَكَيْنَاهُ.

وَالْغَرَضُ أَنَّ مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ إذَا كَانَتْ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَلَمْ يُطْعَنْ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا إنَّمَا نُصِبَتْ بِمُسْتَنَدٍ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَسْكُتُونَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إلَّا لِصِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ فَيَجُوزُ اعْتِمَادُهَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَسْمِيَةُ هَذَا الِاتِّبَاعِ تَقْلِيدًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِهِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، وَقَبُولُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ بِغَيْرِ دَلِيلِ التَّقْلِيدِ حِينَئِذٍ صَادِقٌ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ يُسَمَّى تَقْلِيدًا بِمَعْنَى أَنَّ وَاضِعَ ذَلِكَ الْمِحْرَابِ مُجْتَهِدٌ وَنَحْنُ فِي صَلَاتِنَا إلَى ذَلِكَ الْمِحْرَابِ نَجْتَهِدُ وَنَقُولُ وَنَحْنُ فِي صَلَاتِنَا إلَى ذَلِكَ الْمِحْرَابِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا دَلِيلٍ عِنْدَنَا مُقَلِّدُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ:

إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَنَا شَخْصٌ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ بِأَنَّهُ شَاهَدَ الْكَعْبَةَ فَنَأْخُذُ بِقَوْلِهِ وَلَا نُسَمِّيهِ تَقْلِيدًا بَلْ قَبُولُ خَبَرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ.

فَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ فِي الْمَحَارِيبِ وَلَمْ أَرَهُمَا مَنْقُولَيْنِ لَكِنْ قُلْتُهُمَا تَفَقُّهًا يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي الْعَارِفِ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا أَوْ لَا؟

إنْ قُلْنَا: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَإِنْ قُلْنَا بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيدِ جَازَ الِاجْتِهَادُ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَالْأَظْهَرُ التَّوَسُّطُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْجِهَةِ، وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاضِعِينَ لَمْ يُشَاهِدُوا الْكَعْبَةَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَنْعَ مِنْ الِاجْتِهَادِ مُعَلَّلًا بِتَنْزِيلِ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ قَدْ يَسْتَنِدُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِذَا تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَحُرِّمَتْ مُخَالَفَتُهُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي بَلَدٍ تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى طُولِ زَمَانٍ وَتَكَرُّرِ عُلَمَاءَ إلَيْهِ.

هَذَا فِي الْجِهَةِ أَمَّا التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ فَأَمْرُهُمَا خَفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ مَعْنَى الْخَبَرِ وَلَا مَعْنَى الْإِجْمَاعِ فَلِذَلِكَ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْعَارِفِ بِالْأَدِلَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ بِدُونِ الْوُجُوبِ لِأَنَّا نَعْلَمُ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>