للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصْطِلَاحٌ عَامٌّ يُوَافِقُونَ فِيهِ غَيْرَهُمْ فِي إطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا مِنْهُمْ عَبْدُ الْحَقِّ الصَّقَلِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ، وَنَحْنُ وَمَنْ يُسْتَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ وَالْعَوَامُّ إنَّمَا يَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا فَلَا يَجُوزُ لِمَالِكِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ لَهُمْ إنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ إنَّمَا ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اصْطِلَاحٍ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا وَأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَمُرَغَّبٌ فِيهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ الْعَامِّيُّ مِنْ السُّنَّةِ وَأَمَّا التَّأْكِيدُ فَدَرَجَاتُهُ مُتَفَاوِتَةٌ أَعْلَاهَا مَا قَرُبَ مِنْ الْفَرَائِضِ قُرْبًا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَأَدْنَاهَا مَا يَرْقَى عَنْ دَرَجَةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ ذَلِكَ مَرَاتِبُ مُتَعَدِّدَةٌ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ بِاهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ وَبِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَمُلَازَمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِكَوْنِهِ شِعَارًا ظَاهِرًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ يَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ وَكَذَلِكَ تَكَرُّرُ الطَّالِبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا رِيبَةَ فِي أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.

(سُؤَالٌ وَرَدٌّ مِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَهُوَ بِالشَّامِ) الشَّخْصُ يُحِبُّ النَّوْعَ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ قِيَامِ لَيْلٍ أَوْ نَحْوِهِ رَجَاءً لِثَوَابِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ بَاعِثٌ شَدِيدٌ عَلَى ذَلِكَ يُعَارِضُهُ فِيهِ مَانِعُ الْكَسَلِ، وَحُبُّ الرَّاحَةِ، وَنَفْسُهُ تُمَنِّيهِ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ الْبَاعِثُ الَّذِي دَفَعَ مَانِعَ الْكَسَلِ إلَّا بِأَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ بَاعِثَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَلَا يُحَصِّلُ مِنْهُ تِلْكَ الْعِبَادَةَ أَبَدًا، وَإِنْ أَصَابَ الْبَاعِثُ الدِّينِيُّ الْبَاعِثَ الدُّنْيَوِيَّ وَقَعَتْ الْعِبَادَةُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ إيقَاعُهَا بِمَجْمُوعِ الْبَاعِثَيْنِ وَسِيلَةً إلَى ظُهُورِ أَثَرِ الْبَاعِثِ الدِّينِيِّ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قُوَّةِ أَحَدِ الْبَاعِثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ لَا؟

وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاعِثَ الدُّنْيَوِيَّ أَيْضًا لَوْ انْفَرَدَ لَمَا أَثَّرَ وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْحَقِيقَةِ رُبَّمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا وَرَاءَهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا وَلَكِنْ مُرَاعَاةُ ذَاكَ الْفَاعِلِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ إلَى الْبَاعِثِ الدِّينِيِّ الْبَاعِثَ الدُّنْيَوِيَّ أَوْ انْفَرَدَ بَاعِثُهُ الدُّنْيَوِيُّ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَتَكَرَّرَ مَرَّةً وَمَرَّةً حَصَلَ لَهُ مِنْ الْإِدْمَانِ مَا يُزِيلُ عَنْهُ الْكَسَلَ الَّذِي كَانَ مَانِعًا مِنْ تَأْثِيرِ الْبَاعِثِ الدِّينِيِّ فِي الْفِعْلِ فَتَقَعُ الْعِبَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ خَالِصَةً لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ وَزَوَالِ مَانِعِ الْكَسَلِ الَّذِي كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>