للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَارَنًا لَهُ فِي الْأَوَّلِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ تِلْكَ الْعِبَادَةَ مَعَ قَصْدِ الرِّيَاءِ وَسِيلَةً إلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جَذْبِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إلَّا بِالرِّيَاءِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْعِبَادَةِ إلَّا بِجَعْلِهِ سَابِقًا وَمُقَدِّمَةً لَهُ وَهَذَا قَصْدٌ جَمِيلٌ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْعِبَادَةِ إلَّا بِهِ عِبَادَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ» أَنَّ الشَّرَّ لَا يَأْتِي بِالْخَيْرِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ الرِّيَاءُ قَنْطَرَةُ الْإِخْلَاصِ، أَوْ يَكُونُ حَرَامًا وَالْمَسْئُولُ إيضَاحُ ذَلِكَ بِمَا يَشْفِي الْغَلِيلَ فَإِنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ قَصْدُهُ تَقْلِيدُكُمْ فِي الْعَمَلِ بِمَا تَقُولُونَهُ.

(الْجَوَابُ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الَّتِي قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّرَ وَنَقْطَعُ بِالْجَوَازِ فِي ذَلِكَ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِمَجْمُوعِ الْبَاعِثَيْنِ عَلَى جِهَةِ الْوَسِيلَةِ يُحَقِّقُ قَصْدًا ثَالِثًا وَهُوَ التَّوَسُّلُ وَهُوَ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعِثَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ هُوَ مَعَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ الْقُصُودِ الْمُتَجَاوَزِ عَنْهَا وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ عِنْدَ الِانْضِمَامِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْبَاعِثُ إمَّا وَحْدَهُ أَوْ يَكُونَ هُوَ الْغَالِبُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا يُحَرَّمُ أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ تَصَدَّقَ لِلَّهِ وَلِصِلَةِ الرَّحِمِ «لَا حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلرَّحِمِ مِنْهُ شَيْءٌ» أَمَّا هُنَا إذَا اسْتَحْضَرَ الْمُصَلِّي الْبَاعِثَيْنِ وَتَفَاوَتَا عِنْدَهُ وَقَصَدَ التَّوَسُّلَ بِالْفِعْلِ إلَى إخْلَاصِ الْبَاعِثِ الدِّينِيِّ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ حِينَئِذٍ هُوَ ذَلِكَ الْقَصْدُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَصْدٌ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْفِعْلُ إنَّمَا وَقَعَ بِهِ فَقَطْ وَوُقُوعُ الْبَاعِثَيْنِ فِي طَرِيقِهِ لَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ بِمَجْمُوعِهِمَا وَلَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بِالْبَاعِثِ الدُّنْيَوِيِّ وَحْدَهُ وَلَا بِالْبَاعِثِ الدِّينِيِّ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْبَاعِثِ الْأَخِيرِ وَهُوَ أَمْرٌ دِينِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ وَهُوَ أَعْنِي مَا تَكَلَّمَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ مِنْ تَسَاوِي الْبَاعِثَيْنِ وَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا عُلِمَ الشَّخْصُ مِنْ عَادَتِهِ انْدِفَاعُ الْبَاعِثِ الدُّنْيَوِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ.

(وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي) عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَرَامٌ فَسُؤَالٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: بِالتَّحْرِيمِ بَعْدَ قَصْدِ التَّوَسُّلِ كَيْفَ يَتَرَدَّدُ فِيهِ هُنَا وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ آخَرُ إلَّا قُوَّةُ التَّوَسُّلِ بِالْعِبَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قُوَّةُ التَّوَسُّلِ وَلَا يَنْهَضُ فِي دَفْعِ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ نَعَمْ إذَا تَقَاوَمَ الْبَاعِثَانِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَصْدٌ ثَالِثٌ وَحَصَلَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْعَادَةِ يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ وَيُقَالُ: إنَّمَا مَنَعْنَا فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَهَهُنَا صَحَّ.

وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ الثَّالِثَ حَاصِلٌ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>