للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْلِيدُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فِيهَا تَخَلُّصٌ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِيهَا وَلَا تُهْمَلُ وَإِذَا كَانَ لَنَا طَرِيقٌ فِقْهِيٌّ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ فِي طُرُقِ الْوُصُولِ إلَى اللَّهِ كَانَ أَوْلَى مِنْ التَّحَجُّرِ، وَاَلَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ إذَا اجْتَمَعَ الْبَاعِثَانِ وَلَمْ يَنْظُرْ السَّالِكُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الَّذِي لَمْ يُرَدْ بِهِ إلَّا الرِّيَاءُ سَبَبٌ لِلْمَقْتِ وَالْعِقَابِ وَإِنَّ الْخَالِصَ لِوَجْهِ اللَّهِ سَبَبُ الثَّوَابِ وَإِنَّ الْمَشُوبَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَيْسَ تَخْلُو الْأَخْبَارُ عَنْ تَعَارُضٍ فِيهِ وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ فِيهِ أَنَّ الْبَاعِثَيْنِ إنْ تَسَاوَيَا فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَاعِثُ الرِّيَاءِ أَغْلَبَ فَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْعِقَابِ وَالْعِقَابُ فِيهِ أَخَفُّ مِنْ عِقَابِ الْعَمَلِ الَّذِي تَجَرَّدَ لِلرِّيَاءِ سَبَبٌ لِلْمَقْتِ وَالْعِقَابِ فَصَحِيحٌ وَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ فَاسِدٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَإِنَّ الرِّيَاءَ إذَا تَجَرَّدَ لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ فَلِذَلِكَ تَبْطُلُ وَيَحْصُلُ الْمَقْتُ وَالْعِقَابُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالْمَعْبُودِ.

وَلَا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شِرْكًا ظَاهِرًا لَا خَفِيًّا وَلَا نَقُولُ: إنَّ الرِّيَاءَ لِذَاتِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى اسْتِلْزَامِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ الشَّرْعِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {يُرَاءُونَ} [الماعون: ٦] {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] وَقَوْلَهُ {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: ١٤٢] وَقَوْلَهُ {رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [البقرة: ٢٦٤] كُلُّ ذَلِكَ فِي كُفَّارٍ أَوْ مُنَافِقِينَ. وَلَكِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّيَاءَ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ فَالتَّحْرِيمُ وَالْإِفْسَادُ إنَّمَا أَخَذْنَاهُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَالْمَقْتَ تَصَوُّرُهُ بِصُورَةٍ مُزَوَّرَةٍ وَإِذَا قَالَ مَا لَا يَفْعَلُ تَعَرَّضَ لِلْمَقْتِ فَفِعْلُ مَا لَا رُوحَ لَهُ أَوْلَى بِالْمَقْتِ.

وَأَمَّا أَنَّ الْخَالِصَ لِوَجْهِ اللَّهِ سَبَبٌ لِلثَّوَابِ فَصَحِيحٌ وَالْمُرَادُ صِحَّتُهُ وَاعْتِبَارُهُ فَإِنَّ الثَّوَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشُوبِ فِي الثَّوَابِ وَنَفْيِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِصِحَّةِ الْعَمَلِ أَوْ فَسَادِهِ وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ، وَنَصَبَ التَّرْدِيدَ فِي الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ مَعَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا نَوَى الْمُتَوَضِّئُ التَّبَرُّدَ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّبَرُّدِ لَيْسَتْ عِبَادَةً وَقَدْ ضَمَّهَا إلَى الْعِبَادَةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَذْمُومَةً بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَهِيَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:

(إحْدَاهَا) نِيَّةُ عِبَادَتَيْنِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَالتَّحِيَّةُ مَعَ عِبَادَةٍ أُخْرَى وَلَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِخِلَافِ الْغُسْلَيْنِ.

(وَالثَّانِيَةُ) عِبَادَةٌ مَعَ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَذْمُومٍ كَالتَّبْرِيدِ. (وَالثَّالِثَةُ) الْعِبَادَةُ مَعَ الرِّيَاءِ وَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ قَصْدَ الْعِبَادَةِ إنْ قَوِيَ صَحَّ وَأَجْرُهُ دُونَ أَجْرِ الْخَالِصِ وَإِنْ ضَعُفَ أَوْ تَسَاوَى احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ رَأْسًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ وَاحْتَمَلَ وَهُوَ الْأَقْوَى أَنْ يُقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>