بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ قَصْدَ شَيْئَيْنِ مُمْكِنٌ فَقَصْدُ الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاءِ قَصْدُ شَيْئَيْنِ بَالِغًا مِنْ الْآخَرِ.
وَقَدْ يُقَالُ: مَنْ يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ إلَّا وَاحِدًا فَمَتَى سَاوَى أَوْ ضَعُفَ بَطَلَ التَّعْلِيلُ بِهِ فَيَبْطُلُ الْعَمَلُ لَكِنَّ هَذَا عِنْدَنَا ضَعِيفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ الْوَاحِدِ بَاعِثَانِ وَأَكْثَرُ وَسِعَ بِهِمَا، وَمِنْ الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» عَامٌّ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَمَا فَوْقَهُ فَإِذَا كَانَ الَّذِي هَاجَرَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدًا اقْتَضَى الْحَدِيثُ حُصُولَهُ سَوَاءٌ كَانَ عِبَادَتَيْنِ أَوْ عِبَادَةً وَغَيْرَ عِبَادَةٍ لَكِنْ يَتَفَاوَتُ الْأَجْرُ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَمَعَ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ يَمْتَنِعُ الْعِقَابُ فَإِنَّ الْعِقَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَرَامٍ وَمَعَ الصِّحَّةِ يَمْتَنِعُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْعِبَادَاتِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْعَمَلَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَإِنَّمَا اقْتَضَاهُ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَجَرَّدَ وقَوْله تَعَالَى {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠] مَعْنَاهُ لَا يَقْصِدُ بِهِمَا الْعِبَادَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهُمَا بِالْعِبَادَةِ كَانَ شِرْكًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِي وَلِشَرِيكِي فَكُلُّهُ لِشَرِيكِي وَلَيْسَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ» مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا. أَمَّا إذَا قَصَدَ الْعِبَادَةَ قَصْدًا صَحِيحًا وَوَقَعَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَإِنْ سُمِّيَ شِرْكًا خَفِيًّا فَلَيْسَ بِشِرْكٍ حَقِيقِيٍّ وَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ مِنْ الشَّرْعِ صَحِيحٍ وَالْآثَارُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا إنَّمَا تَقْتَضِي مُنَافَاتَهُ لِلْإِخْلَاصِ وَكَلَامِي الْآنَ إنَّمَا هُوَ فِي الصِّحَّةِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِبَادَةُ صَحِيحَةً وَلَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا نِصْفُهَا ثُلُثُهَا رُبْعُهَا خُمُسُهَا سُدُسُهَا سُبْعُهَا ثُمُنُهَا تُسْعُهَا عُشْرُهَا» فَكَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ الْخُشُوعِ يَحْصُلُ أَيْضًا بِتَفَاوُتِ الْقَصْدِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْقَصْدِ الَّذِي بِهِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ.
وَمِنْ الدَّلِيلِ لِذَلِكَ أَنَّ إرَاءَةَ الشَّخْصِ عَمَلَهُ لِلنَّاسِ قَدْ يَكُونُ لِمَقَاصِدَ كَثِيرَةٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا عَدَمُ الْأَصْلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّمَلَ قَصَدَ فِيهِ أَنْ يَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الصَّحَابَةُ " النَّطْرُونِيُّ الْجِمَالُ لَا جِمَالُ خَيْبَرَ " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ» وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ «أَيَضَعُ شَهْوَتَهُ فِي الْحَلَالِ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقَعَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَمْكَنَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْفِعْلَ يَقَعُ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ قَالَ تَعَالَى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: ١ - ٢] {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: ٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute