زَكَاةٌ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. وَابْنُ لَهِيعَةَ لَمْ يَحْتَجّ بِهِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: احْصِ مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِذَا بَلَغَ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَأَعْلَمَهُ إنْ شَاءَ زَكَّاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رَوَاهُ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَمُجَاهِدٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ خِلَافُهُ وَلَوْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُجَاهِدٍ لَمْ يَقُلْ خِلَافَهُ فَلَمْ يَصِحَّ، وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى صَبِيٍّ حَتَّى تَجِبَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَالسَّنَدُ إلَيْهِ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا عَلِيٌّ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ إلَّا كَانَ يُزَكِّي أَمْوَالَ يَتَامَى أَبِي رَافِعٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَدَمُ وُجُوبِهَا، وَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِهَا مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَاهِيك بِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عُمَرُ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ أَدَارَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» فَإِذَا وَرَدَ قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَا دَلِيلَ يُخَالِفُهُ انْشَرَحَ الصَّدْرُ لَهُ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِي حِجْرِهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَخُوهُ وَهُمَا يَتِيمَانِ ابْنَا أَخِيهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالٍ. وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ وَكَانَ سَيِّدَ زَمَانِهِ وَرَوَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ سَيِّدَ زَمَانِهِ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَرَوَاهُ عَنْهُمْ ثَلَاثَتِهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الْآثَارِ مَعَانٍ تُرَجِّحُهَا، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي تَرَدَّدْنَا فِي صِحَّتِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي إسْقَاطِهَا بَلْ يَحْمِلُ لَأَنْ يَكُونَ كَالْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ الْمُوَافِقِينَ بَلْ ذَكَرُوهُ ذِكْرَ مَنْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُمْ وَفَهِمُوا كَلَامَهُ كَمَا فَهِمْنَاهُ.
وَنَظَرْنَا فِي الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ فَوَجَدْنَا أَرْجَحَهَا فِي نَظَرِنَا الْأَوَّلَ وَهُوَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا وَوُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَيَأْثَمُ الْوَلِيُّ إذَا لَمْ يُخْرِجْهَا وَيَضْمَنُ، وَيَلِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ إنَّهَا لَا تَجِبُ جُمْلَةً لَكِنَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ دَلِيلًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَحَابِيٍّ وَيَتَمَسَّكُ الْقَائِلُونَ بِهِ «رُفِعَ الْقَلَمُ» وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَبِذَلِكَ تَبَيَّنَ وَهَاؤُهُ لِبِنَائِهِ عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ. وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ فَبَعِيدَةٌ جِدًّا شَارَكَتْ الثَّانِيَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَانْفَرَدَتْ بِتَنَاقُضٍ ظَاهِرٍ وَأَبْعَدُهَا الْخَامِسُ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ لَكُمْ فِي التَّرْجِيحِ عَاضِدٌ غَيْرُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute