للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ: أَذَكَرْتَهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا ذِكْرِي لِأَبِي بَكْرٍ وَنَامَ مُعَاذٌ فَرَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحُجْزَتِهِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَقَعَ فِي النَّارِ فَفَزِعَ مُعَاذٌ فَذَكَرَهُ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَوَّغَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا حِينَ حَلَّ وَطَابَ.

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ) قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً وَالْيَوْمَ رِشْوَةً. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: إذَا قَبِلَ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ أَكَلَ السُّحْتَ، وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ.

وَقَالَ كَعْبٌ: الرِّشْوَةُ تُسَفِّهُ الْحَلِيمَ وَتُعْمِي عَيْنَ الْحَكِيمِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَأْكُلُهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ مِنْهُ قَبُولُهَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ بِهَا دُونَ رَعِيَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُهْدِيَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَمِيرُ رَعِيَّتِهِ، وَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفْرِ يَكُونُ لَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ حُكْمِهِ لَا يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا فَيْءٌ.

وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» انْتَهَى الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهَا كَمَا سَنَحْكِيهِ. وَمُلَخَّصُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُعْطِي الْحُكَّامُ الْأَئِمَّةَ وَالْأُمَرَاءَ وَالْقُضَاةَ وَالْوُلَاةَ وَسَائِرَ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إمَّا رِشْوَةً وَإِمَّا هَدِيَّةً أَمَّا الرِّشْوَةُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهَا وَعَلَى مَنْ يُعْطِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَخْذُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلًا وَكَذَا الْمُعْطِي سَوَاءٌ أَكَانَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلًا، وَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَّا إذَا جَهِلَ مَالِكُهَا فَتَكُونُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ، وَفِي احْتِمَالٍ لِبَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ وَالْمُرَادُ بِالرِّشْوَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يُعْطَى لِدَفْعِ حَقٍّ أَوْ لِتَحْصِيلِ بَاطِلٍ وَإِنْ أُعْطِيت لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْحُكْمِ بِحَقٍّ فَالتَّحْرِيمُ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْطِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِذَلِكَ جَازَ وَإِنْ قَدَرَ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِدُونِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَهَكَذَا حُكْمُ مَا يُعْطَى عَلَى الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ مُطْلَقًا وَيَفْصِلُ فِي الدَّافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ: يَجُوزُ الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ بِشُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْزُقَهُ وَأَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الْأَخْذِ وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>