فَالْمُصَلِّي كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا إذَا كَانَ يَمْنَعُ قَلْبَهُ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ إلَّا إنْ ثَقُلَ بَدَنُهُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُنَاجِي الْمَلِكَ الْأَكْبَرَ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِمَنْ صَدَّقَ بِذَلِكَ أَنْ يَلْتَفِتَ أَوْ يَغِيبَ أَوْ يَتَفَكَّرَ أَوْ يَتَحَرَّكَ بِغَيْرِ مَا يُحِبُّ الْمُقْبِلُ عَلَيْهِ وَمَا يَقْوَى قَلْبُ عَاقِلٍ لَبِيبٍ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَلْقِ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ قَدْرٌ فَيَرَاهُ يُوَلِّي عَنْهُ كَيْفَ وَكُلُّ مُقْبِلٍ سِوَى اللَّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَى ضَمِيرِ مَنْ وَلَّى عَنْهُ بِضَمِيرِهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلٌ عَلَى الْمُصَلِّي بِوَجْهِهِ يَرَى إعْرَاضَهُ بِضَمِيرِهِ وَبِكُلِّ جَارِحَةٍ سِوَى صَلَاتِهِ الَّتِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِمُؤْمِنٍ عَاقِلٍ أَنْ يُخِلَّهَا أَوْ يَلْتَفِتَ أَوْ يَتَشَاغَلَ بِغَيْرِ الْإِقْبَالِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى»
وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قِبَلَ وَجْهِ أَحَدِكُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَمِمَّا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ إلَى وَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ بَيْنَ عَيْنَيْ الرَّحْمَنِ فَإِذَا الْتَفَتَ قَالَ لَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ ابْنَ آدَمَ أَقْبِلْ إلَيَّ فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّانِيَةَ قَالَ لَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ ابْنَ آدَمَ أَقْبِلْ إلَيَّ فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّالِثَةَ أَوْ الرَّابِعَةَ قَالَ لَهُ الرَّبُّ ابْنَ آدَمَ لَا حَاجَةَ لِي فِيك» سَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
هَذَا كُلُّهُ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِالْتِفَاتُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَانْظُرْ نَقْلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَلَى جَلَالَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَقْصِ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذَاهِبِ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الَّذِي حَكَيْنَاهُ إنْكَارَ جَوَازِ الِالْتِفَاتِ وَلَا يُسْتَبْعَدُ مَا قَالَهُ فَمَا قَالَهُ مِنْ الدَّلِيلِ قَوِيٌّ فِيهِ؛ وَحَقِيقٌ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُرَوِّضَ نَفْسَهُ حَتَّى يَصِيرَ كَذَلِكَ.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ الْإِجْمَاعِ لَا يُعَارِضُهُ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهَا كَامِلَةٌ؛ وَهُوَ إنَّمَا نَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي النَّقْصِ وَأَنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْهَا فَقَدْ تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ صَحِيحٌ فِي الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute