للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ الْحَقِيقَةُ، لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْمَيْلُ إلَى الْإِثْمِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ فَتَسْمِيَتُهُ بِهِ لِأَجْلِ الْمُشَابَهَةِ، الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمُفَسِّرِينَ أَنَّ (الْجُنَاحَ) هُنَا التَّبَعَةُ؛ أَيْ لَا تَبَعَةَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِمَهْرٍ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ. وَإِطْلَاقُ الْجُنَاحِ عَلَى التَّبَعَةِ يُظْهِرُ أَنَّهُ لِمَا فِي التَّبَعَةِ مِنْ الْمَيْلِ أَيْضًا، لِأَنَّ التَّابِعَ يَمِيلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: التَّبَعَةُ أَعَمُّ فَيَقْتَضِي نَفْيُهَا نَفْيَ الْإِثْمِ وَالْمُطَالَبَةَ جَمِيعًا.

الْمَبْحَثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٣٦] جُمْلَةٌ تَامَّةٌ قَدْ وَلِيَهَا شَرْطٌ وَالْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَزَاءً لَهُ بَلْ دَلِيلَ الْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَهُ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى تَصْنِيفِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ أَبِي الْيَمِينِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكِنْدِيِّ قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ:

(مَسْأَلَةٌ) عُرِضَتْ عَلَيَّ بِدِمَشْقَ مَنْسُوبَةً إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ طَلَّقْتُك وَقَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي شُرُوحِهِ. وَلَمْ يَرَهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ وَلَا فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ بَعْدَهُ، وَلَا وَجَدْنَاهَا أَيْضًا فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَمَّا عَدِمْنَا ذَلِكَ اسْتَضَأْنَا بِآرَاءِ الْفُقَهَاءِ فَرَأَيْنَاهَا مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يَقْدِرُوا فِيهَا عَلَى نَصٍّ مَرْفُوعٍ إلَى إمَامٍ، فَضَعُفَ التَّعْوِيلُ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ الْفُتْيَا. وَأَنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَذْكُرُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرَبِيَّةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ اتِّبَاعُهُ أَمَّا الْحُكْمُ فِي طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِتَقْدِيمِ الْفِعْلِ الْمَاضِي عَلَى الشَّرْطِ فَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الشَّرْطِ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ إذَا وَقَعَ قَبْلَ حَرْفِ الشَّرْطِ كَانَ ثَابِتًا؛ وَمَا ثَبَتَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ جَوَابَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُقُوعِهِ مَعْدُومًا وَوُقُوعُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.

وَالْمَاضِي قَبْلَهُ قَدْ وَقَعَ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يُوثَقُ بِعِلْمِهِ أَنْ يَقُولَ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ؛ وَلَكِنْ أَقُومُ إنْ قُمْتَ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مَحْمُولًا عَلَى الْفِعْلِ الْمُقَدَّمِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٠] فِي قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ " إنْ " قِيلَ: الْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ قَالَ فِي التَّذْكِرَةِ مَنْ كَسَرَ إنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْصِبَ امْرَأَةً بِأَحْلَلْنَا وَلَكِنْ بِ " نَحَلَ " امْرَأَةً كَقَوْلِهِ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ} [هود: ٣٤] وَقَالَ فِي الْبَصْرِيَّاتِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ فِي قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>