للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: ١٨٠] عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّهُ قَالَ: فَالْوَصِيَّةُ.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَأَنَّهُ قَالَ فَلْيَقُلْ هَذَا وَلَمْ يَجْعَلْ " كُتِبَ " مُقَدَّمًا مُغْنِيًا عَنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّ " كُتِبَ " وَاجِبٌ فَقَدْ ثَبَتَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ فِي جَوَابِ الْجَزَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا مَا يَقَعُ بِوُقُوعِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْبُحُ ضَرَبْتُك إنْ جِئْتنِي، وَلَا يَقْبُحُ أَضْرِبُك إنْ جِئْتنِي، فَلَمَّا كَانَ " كُتِبَ " وَاجِبًا اُسْتُقْبِحَ أَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ: إنْ تَرَكَ خَيْرًا كَتَبَهُ وَالْكِتَابُ قَدْ وَقَعَ، فَجَعَلْت الْجُمْلَةَ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ الْجَوَابَ، وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالْخَبَرِ تَفْسِيرًا لِكُتِبَ كَمَا أَنَّ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [المائدة: ٩] تَفْسِيرٌ لِلْوَعْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [المائدة: ٩] وَنَصَّ الْمَازِنِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ، وَلَكِنْ أَقُومُ إنْ قُمْتَ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يُقَدَّرُ الْمَاضِي تَقْدِيرَ الْآتِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ:

يَا حَكَمَ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ... أُوذِيت إنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ أَلْمَعِيَّتِك

فَالْمَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْآتِي بِدَلِيلِ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْتَ إنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالشَّاهِدِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا قَرُبَ قُرْبًا شَدِيدًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُهْلَةٌ وَلَا تَرَاخٍ كَقَوْلِهِمْ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " فَإِنْ دَخَلَهُ التَّرَاخِي لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا قَوْلُ رُؤْبَةَ أُوذِيت إنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ أَلْمَعِيَّتِك كَأَنَّهُ مِنْ مُقَارَنَتِهِ فِي الْخَيَالِ فِي حَالِ مَنْ قَدْ غَشِيَهُ ذَلِكَ. وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قُمْتُ إنْ قُمْتَ فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَمْعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَمَّا الْفَرْقُ فَطَلَّقْتُك حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُؤَاخَذُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ شَرْعًا. وَقُمْت إنْ قُمْت لَا مُبَالَاةَ بِاطِّرَاحِهِ. وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُمَا عَلَى صُورَةِ الثُّبُوتِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُحْمَلَا عَلَى مَا بَعْدَ الشَّرْطِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: أَنَّ قَائِلَهُمَا لَيْسَ فِي حَالِ مَنْ قَدْ غَشِيَهُ الْأَمْرُ مِنْ شِدَّةِ مُقَارَنَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ مُخْبِرًا أَوْ مُنْشِئًا فِي لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الثُّبُوتِ وَالْوُقُوعِ؛ إلَّا أَنَّ الْخَبَرَ يَخْتَصُّ بِمَا انْقَضَى بِانْقِضَاءِ الزَّمَانِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِهِ، وَالْإِنْشَاءُ يَخْتَصُّ بِالْإِيجَادِ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِدَلِيلِ الْحَالِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ وَالدُّعَاءَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الِاسْتِعْلَاءُ وَالْخُضُوعُ انْتَهَى مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْكِنْدِيِّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك، فَالْحُكْمُ فِيهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الدُّخُولِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا وَعْدٌ.

فَالْجَوَابُ: إنَّهُ وَإِنْ أَشْبَهَ الْوَعْدَ فَإِنَّهُ مُضَادٌّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ صُورَةَ الْوَعْدِ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ تَفْتَقِرُ إلَى إيجَادٍ مِنْ الْوَاعِدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، مِثْلَ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ. " وَطَلَّقْتُك " حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الزَّوْجَةِ وَتَتَّصِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>