وَلَمْ يَرَ مَعَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ وَطَنًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَكِّيًّا.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ أَنَّ مَكِّيًّا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ تَاجِرًا فَلَمَّا عَادَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَهُوَ مِنْ الْحَاضِرِينَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَنَا دَمٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ عِنْدَنَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: يَلْزَمُهُ الدَّمُ. فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَإِنْ كَانَ مَقَامُهُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ لَهُ وَإِنْ اسْتَوَيَا وَكَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ عَزْمُهُ الرُّجُوعَ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي فَالِاعْتِبَارُ بِالْعُبُورِ عَلَى الْمِيقَاتِ، وَعِبَارَةٌ ثَالِثَةٌ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ حَالُ مَا يُحْرِمُ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْكُوفَةِ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ؛ وَلَوْ اسْتَوْطَنَ غَرِيبٌ مَكَّةَ فَهُوَ حَاضِرٌ وَلَوْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الْعِرَاقَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ وَلَوْ قَصَدَ الْغَرِيبُ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِهَا بَعْدَ مَا اعْتَمَرَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوْطِنًا قَبْلَ الْعُمْرَةِ. هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْإِمْلَاءِ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا الْقِسْمَ الْآخَرَ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ؛ وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَدُلُّ لِاعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ فَلَا يُسَمَّى حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوْطِنًا هُنَاكَ وَمَنْ اسْتَوْطَنَ غَيْرَهَا مِنْ الْآفَاقِ خَرَجَ عَنْهُ اسْمُ الْحَاضِرِ وَمَنْ اسْتَوْطَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ صَارَ حَاضِرًا وَخَرَجَ عَنْهُ اسْمُ الْآفَاقِيِّ.
وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْآفَاقِ وَلَمْ يَسْتَوْطِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ اسْمُ الْحَاضِرِ. هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمِنْ الدَّلِيلِ لَهُ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] فَذَكَرَ الْأَهْلَ كِنَايَةً عَنْ الِاسْتِيطَانِ لِأَنَّ الْأَهْلَ غَالِبًا تَكُونُ حَيْثُ الشَّخْصُ مُسْتَوْطِنًا وَلَا يَضُرُّنَا مَعَ قَوْلِنَا إنَّهُ كِنَايَةُ كَوْنِ الشَّخْصِ لَا أَهْلَ لَهُ أَوْ لَهُ أَهْلٌ لَيْسُوا مَعَهُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ الْحَاضِرَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute