للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَأَوَّلُ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَمَّا عَمِلَ الْوَلِيدُ ذَلِكَ كَانَتْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ التَّابِعِينَ مَوْجُودِينَ وَبَقَايَا الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ. ثُمَّ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَالصَّالِحُونَ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ يَحُجُّونَ وَيُبْصِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النَّذْرِ: سِتْرُ الْكَعْبَةِ وَتَطْيِيبُهَا مِنْ الْقُرُبَاتِ فَإِنَّ النَّاسَ اعْتَادُوهُمَا عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ وَلَمْ يُبْدَ مِنْ أَحَدٍ نَكِيرٌ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ تَحْرِيمُ لُبْسِهِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَذَكَرْنَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهِمَا وَكَانَ الْفَرْقُ اسْتِمْرَارَ الْخَلْقِ عَلَى ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَوْ نَذَرَ سِتْرَ الْكَعْبَةِ وَتَطْيِيبَهَا صَحَّ نَذْرُهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي سِتْرِ الْكَعْبَةِ وَتَطْيِيبِهَا صَحِيحٌ وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ الزَّكَاةِ: هَلْ يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا كَالْأَوَانِي وَأَظْهَرُهُمَا نَعَمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إكْرَامًا لِلْمُصْحَفِ. وَقَالَ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى حَظْرِهَا. وَفِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ حَرْمَلَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ.

وَفِي تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْجَوَازُ إكْرَامًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ ذَمُّهَا، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ لَا يَجُوزُ وَكَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ إلَى هَذَا أَمْيَلُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَحْلِيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ عِلَاقَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ، وَأَمَّا سَائِرُ الْكُتُبِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَجُوزُ، وَفِي تَحْلِيَةِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهِمَا فِيهَا وَجْهَانِ مَرْوِيَّانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ: أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ تَعْظِيمًا كَمَا فِي الْمُصْحَفِ وَكَمَا يَجُوزُ سِتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ وَأَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إذَا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَحُكْمُ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ نَعَمْ لَوْ جَعَلَ الْمُتَّخِذُ وَقْفًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

فَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ فِيهِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِلرَّجُلِ فَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الْقَارِئَ فِيهِ وَالْحَامِلَ لَهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي فِيهِ نَزَلَا يَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي الْكَعْبَةِ وَلَوْ فُرِضَ مُصْحَفٌ لَا يَنْظُرُ فِيهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ فَذَلِكَ نَادِرٌ وَلَمْ يُوضَعْ الْمُصْحَفُ لِذَلِكَ وَلَكِنْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمُصْحَفِ جَرَيَانُهُ فِي الْكَعْبَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُصْحَفُ أَفْضَلَ لِلْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّ لِلْكَعْبَةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ لِلْمَسْجِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ سِتْرَ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي سِتْرِ الْمَسَاجِدِ خِلَافٌ فَحِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي الْكَعْبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>