زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْفِصَّةِ وَهِيَ الْجِصُّ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ، ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْوَلِيدُ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَعَمِلَ سَقْفَهُ بِالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ وَكَانَ الْوَلِيدُ أَرْسَلَ إلَى مَلِكِ الرُّومِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْنِيَ مَسْجِدَ نَبِيِّنَا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَرْبَعِينَ رُومِيًّا وَأَرْبَعِينَ قِبْطِيًّا عُمَّالًا وَشَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْعِمَارَةِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ لَهُ مِحْرَابًا وَشُرَفًا فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ ثُمَّ وَسَّعَهُ الْمَهْدِيُّ عَلَى مَا هُوَ الْيَوْمَ فِي الْمِقْدَارِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَاؤُهُ.
(فَصْلٌ) أَمَّا الْحُجْرَةُ الشَّرِيفَةُ الْمُعَظَّمَةُ فَتَعْلِيقُ الْقَنَادِيلِ الذَّهَبَ فِيهَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ مِنْ زَمَانٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا، وَاَلَّذِينَ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي الْمَسَاجِدِ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَلَا تَعَرَّضُوا لَهَا كَمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ مِنْ عَالِمٍ وَصَالِحٍ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ قَدْ أَتَاهَا لِلزِّيَارَةِ وَلَمْ يَحْصُلُ مِنْ أَحَدٍ إنْكَارٌ لِلْقَنَادِيلِ الذَّهَبِ الَّتِي هُنَاكَ. فَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْعِلْمِ بِالْجَوَازِ مَعَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَاءِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَمَنْ مَنَعَ أَوْ رَامَ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ فَلْيُثْبِتْهُ، وَالْمَسْجِدُ وَإِنْ فَضَّلْت الصَّلَاةَ فِيهِ فَالْحُجْرَةُ لَهَا فَضْلٌ آخَرُ مُخْتَصٌّ بِهَا يَزِيدُ شَرَفُهَا بِهِ فَحُكْمُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ حُكْمِ الْآخَرِ، وَالْحُجْرَةُ الشَّرِيفَةُ هِيَ مَكَانُ الدَّفْنِ الشَّرِيفِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَمَا حَوْلَهُ، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُسِّعَ وَأُدْخِلَتْ حُجَرُ نِسَائِهِ التِّسْعِ فِيهِ، وَحُجْرَةُ حَفْصَةَ هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ الْيَوْمَ لِلسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ مُجَاوِرَةً لِحُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهَا، وَتِلْكَ الْحُجَرُ كُلُّهَا دَخَلَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَكَانَ لِلنِّسْوَةِ الثَّمَانِ بِهِ اخْتِصَاصٌ وَلَهُنَّ فِي تِلْكَ الْبُيُوتِ حَقُّ السُّكْنَى فِي حَيَاتِهِنَّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْبُيُوتَ التِّسْعَةَ كَانَتْ لِلنِّسَاءِ التِّسْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: ٣٤] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى (بُيُوتِ النَّبِيِّ) وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا هَلْ تَكُونُ بَعْدَهُ صَدَقَةٌ وَيَكُونُ لَهُنَّ فِيهَا حَقُّ السَّكَنِ أَوْ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ؟
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَهُنَّ بَعْدَهُ وَتَكُونُ قَدْ دَخَلَتْ بِالشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ فِي الْمَسْجِدِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَاكِنِ؛ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَتَكُونُ قَدْ أُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُهُ وَحُكْمُ صَدَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارٍ عَلَيْهَا وَمِنْ جُمْلَةِ صَدَقَتِهِ انْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاةِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَدْفِنِ الشَّرِيفِ أَمَّا الْمَدْفِنُ الشَّرِيفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute