الشَّامِ فَدَفَعَهَا إلَى سَعْدٍ جَدِّ الْمُؤَذِّنِينَ فَقَالَ: اُجْمُرْ بِهَا فِي الْجُمُعَةِ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ: فَكَانَ سَعْدٌ يُجَمِّرُ بِهَا فِي الْجُمُعَةِ وَكَانَتْ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى قَدِمَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمَدِينَةَ وَالِيًا سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ فَأَمَرَ بِهَا فَغُيِّرَتْ وَجُعِلَتْ صَلَاحًا وَهِيَ الْيَوْمَ بِيَدِ مَوْلًى لِلْمُؤَذِّنِينَ قَالَ أَبُو غَسَّانَ: هُمْ دَفَعُوهَا إلَيْهِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَوْ سَلِمَ مِمَّنْ دُونَهُ كَانَ جَيِّدًا، وَالْمِجْمَرَةُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّهَا إذَا احْتَوَى عَلَيْهَا حَرَامٌ.
وَيَقْتَضِي اشْتِرَاطُهُمْ الِاحْتِوَاءَ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ غَيْرُ حَرَامٍ لَكِنَّ الْعُرْفَ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ احْتَمَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ تَعْظِيمًا لَهُ فَتَكُونُ الْقَنَادِيلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ لَا اسْتِعْمَالَ فِيهَا.
(فَصْلٌ) إذَا كَانَتْ الْقَنَادِيلُ فِي الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُعَظَّمَةِ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ كَمَا لَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِ الْكَعْبَةِ وَكَذَا لَا حَقَّ فِيهَا لِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عِمَارَةِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَرَمِهِ الْخَارِجِ عَنْ الْحُجْرَةِ كَمَا لَا حَقَّ فِيهَا لِلْفُقَرَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْحُجْرَةِ وَالْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا مُسْتَحِقًّا لِلْآخَرِ وَلَا لَهُ حَقٌّ فِيهِ، وَأَمَّا الْحُجْرَةُ بِعَيْنِهَا لَوْ فُرِضَ احْتِيَاجُهَا إلَى عِمَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ مِنْ الْقَنَادِيلِ فِيهَا؟
الَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ، وَلَيْسَتْ الْقَنَادِيلُ كَالْمَالِ الْمَصْكُوكِ الْمُعَدِّ لِلصَّرْفِ الَّذِي فِي الْكَعْبَةِ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا أُعِدَّ لِلصَّرْفِ وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ فَمَا أُعِدَّتْ لِلصَّرْفِ وَإِنَّمَا أُعِدَّتْ لِلْبَقَاءِ وَلَيْسَ قَصْدُ صَاحِبُهَا الَّذِي أَتَى بِهَا إلَّا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْقَفَهَا أَمْ اقْتَصَرَ عَلَى إهْدَائِهَا فَتَبْقَى مُسْتَحِقَّةً لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ كَوْنُهَا مُعَلَّقَةً يُتَزَيَّنُ بِهَا، وَالْعِمَارَةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَيْهَا الْحُجْرَةُ أَوْ الْحَرَمُ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَوْقَافٌ تُعَمَّرُ مِنْهَا وَإِلَّا فَيَقُومُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ طَيِّبَةً قُلُوبُهُمْ فَالنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَاَلَّذِي قَالَتْهُ الْحَنَابِلَةُ: إنَّهُ إذَا بَطَلَ وَقْفُهَا يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَطْعًا، وَاَلَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لِلْمَسْجِدِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ لَا يَأْتِي هُنَا لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا لَا يَقْصِدُ وَاهِبُهُ جِهَةً مُعَيَّنَةً أَمَّا لَوْ قَصَدَ جِهَةً مُعَيَّنَةً فَيَتَعَيَّنُ كَمَا قَالُوا فِي الْإِهْدَاءِ لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ أَوْ لِتَطْيِيبِهَا إنَّهُ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا وَهَبَ لِرَجُلٍ دِرْهَمًا لِيَصْرِفَهُ فِي شَيْءٍ عَيَّنَهُ حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْهِبَةِ لِخُصُوصِ عَقْدِهَا وَكَوْنِهَا لِمُعَيِّنٍ آدَمِيٍّ يَقْضِي ذَلِكَ، وَهُنَا الْإِهْدَاءُ لِمَا يَقْصِدُ مِنْ الْجِهَاتِ فَأَيُّ جِهَةٍ قَصَدَهَا تَعَيَّنَتْ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute