فَصْلٌ) بَعْدَ تَعْلِيقِ هَذِهِ الْقَنَادِيلِ فِي الْحُجْرَةِ وَصَيْرُورَتِهَا لَهَا بِوَقْفٍ أَوْ مِلْكٍ بِإِهْدَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ هِبَةٍ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُهَا فِي الْأَوَّلِ وَاجِبًا وَلَا قُرْبَةً صَارَتْ شِعَارًا وَيَحْصُلُ بِسَبَبِ إزَالَتِهَا تَنْقِيصٌ فَيَجِبُ إدَامَتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كُسْوَةِ الْكَعْبَةِ اسْتِدَامَتُهَا وَاجِبَةٌ وَابْتِدَاؤُهَا غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ وَقْفٌ وَلَا تَمْلِيكٌ وَلَكِنْ أَحْضَرَهَا صَاحِبُهَا وَعَلَّقَهَا هُنَاكَ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الْمَكَانِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُزِيلَهَا مَا أَمْكَنَهُ عَدَمُ إزَالَتِهَا لِأَنَّ الشِّعَارَ الْحَاصِلَ بِهَا وَالنَّقْصَ الْحَاصِلَ بِزَوَالِهَا مَوْجُودٌ هُنَاكَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الَّتِي خَرَجَ عَنْهَا فَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ تَغْيِيرِهَا أَوْ تَغْيِيرِ عَقْدِهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] هَذَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ فِي الظَّاهِرِ مِنْهَا إذَا عُلِمَ مِنْهُ بِأَنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِهِ أَوْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عِنْدَ تَسْلِيمِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وَأَحْضَرَهَا لِنَاظِرِ الْمَكَانِ أَوْ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ وَتَسَلَّمَهَا مِنْهُ كَمَا عَادَةُ النُّذُورِ وَالْهَدَايَا ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُهَا زَاعِمًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ عَنْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ مَا اقْتَضَاهُ فِعْلُهُ وَقَرَائِنُهُ مِنْ الْإِهْدَاءِ كَمَا لَوْ أَهْدَى هَدِيَّةً وَأَقْبَضَهَا ثُمَّ جَاءَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ التَّمْلِيكَ فَإِنَّ الْفِعْلَ الظَّاهِرَ الدَّالَّ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقَرَائِنِ كَاللَّفْظِ الصَّرِيحِ.
(فَصْلٌ) سَبَبُ كَلَامِي فِي ذَلِكَ أَنَّنِي سَأَلْت عَنْ بَيْعِ الْقَنَادِيلِ الذَّهَبِ الَّتِي بِالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُعَظَّمَةِ وَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَصَدَ بَيْعَهَا لِعِمَارَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالرَّحْمَةِ فَأَنْكَرْتُهُ وَاسْتَقْبَحْتُهُ: أَمَّا إنْكَارُهُ فَمِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَنَادِيلَ وَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا صَحِيحًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا، وَمَنْ يَقُولُ مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِبَيْعِ الْأَوْقَافِ عِنْدَ خَرَابِهَا أَوْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الِاسْتِبْدَالِ إنَّمَا يَقُولُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُ الْوَاقِفِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَأَمَّا هُنَا فَقَصْدُ الْوَاقِفِ إبْقَاؤُهَا لِمَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ التَّزْيِينُ فَبَيْعُهَا لِلْعِمَارَةِ مُفَوِّتٌ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْحُجْرَةِ كَالْمِلْكِ لِلْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ الْآتِي بِهَا ادِّخَارُهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنْ جَهِلَ حَالَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ الْبَيْعُ أَيْضًا، وَإِنْ عُرِفَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ فَأَمْرُهَا لَهُ وَلَيْسَ لَنَا تَصَرُّفٌ فِيهَا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَنْ لَا تُرْجَى مَعْرِفَتُهُ فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ لَيْسَ ذَلِكَ وَاقِعًا وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى بَيْعِهَا لِلْعِمَارَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْفِقْهِ وَجْهٌ مِنْ الْوُجُوهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ مِمَّا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَفِي هَذِهِ الْمُدَدِ قَدْ مَلَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute