الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَلَى امْتِنَاعِهَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ بِالشَّرْطِ.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا وَضَعَ وَتَعَجَّلَ لَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ انْتَهَى. وَاسْتَشْكَلَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْمُزَنِيِّ.
وَقَالَ الْجَوْزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِشَرْطٍ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يَجُوزُ أَرَادَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيْ، وَتَفَضَّلَ السَّيِّدُ بِالْإِبْرَاءِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْ الْمُزَنِيِّ قَالُوا: لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَا أَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا أَدَّى مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ سَأَلَ السَّيِّدُ أَنْ يُبْرِئَهُ، وَأَبْرَأَهُ، وَنَقَلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ، وَقَالَ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ: نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي هَذَا تَرْدِيدَ نَصٍّ، وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَغَلَّطَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى حَمْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَأَبْرَأهُ السَّيِّدُ تَفَضُّلًا، أَمَّا إذَا جَرَى الشَّرْطُ فَلَيْسَ إلَّا الْفَسَادَ، فَإِنْ عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ فَسَدَ، وَإِنْ عَجَّلَ، وَشَرَطَ الْإِبْرَاءَ فَسَدَ الْأَدَاءُ، وَلَسْت أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَنْقُلَ جُمْلَةَ مَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنِّي لَسْت أَرَى فِيهِ مَزِيدَ فِقْهٍ. قُلْت: وَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْأَكْثَرِينَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ إثْبَاتَ خِلَافٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ غَلَّطُوهُ فِي النَّقْلِ، وَالْأَكْثَرِينَ سَلَّمُوا النَّقْلَ لَهُ، وَقَالُوا: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهَؤُلَاءِ مُغَلَّطُونَ أَيْضًا فِي التَّحْرِيمِ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَوْرَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي الشَّرْطِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَكَيْف يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمُّوا مُحَقِّقِينَ فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا مَحَلَّ النَّقْلِ، وَحَقَّقُوهُ، وَغَلَّطُوا التَّرْجِيحَ مِنْهُ.
أَمَّا تَغْلِيطُ الْمُزَنِيِّ بِغَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ فِيمَا يَنْقُلُ، وَكَيْف مَا قُدِّرَ فَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى التَّغْلِيطِ، وَعَدَمِ إثْبَاتِ قَوْلَيْنِ لَا فِي حَالَةِ الِاشْتِرَاطِ، وَلَا فِي عَدَمِ حَالَةِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ جَازِمُونَ بِالْحُكْمَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ، وَمُرَادُ الْإِمَامِ بِحَمْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ بِالْجَوَازِ لَا الْكَلَامَ الَّذِي اعْتَرَضَهُ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ مَعَهُ بِالْجَوَازِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُزَنِيَّ إنَّمَا نَقَلَ مِنْ دَيْنِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَمَقْصُودُهُ قِيَاسُ دَيْنِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ دَيْنُ الْمُكَاتَبِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ فَلْيَتَأَوَّلْ كَلَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute